ILMU
فَضِيلَةُ الْعِلْمِ :
شَوَاهِدُهُ مِنَ الْقُرْآنِ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ
مِنْهَا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ) [آلِ عِمْرَانَ : 18] فَانْظُرْ
كَيْفَ بَدَأَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِنَفْسِهِ وَثَنَّى بِالْمَلَائِكَةِ وَثَلَّثَ
بِأَهْلِ الْعِلْمِ ، وَنَاهِيكَ بِهَذَا شَرَفًا وَفَضْلًا . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى
: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)
[الْمُجَادَلَةِ : 11] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ
وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) [الزُّمَرِ : 9] وَقَالَ تَعَالَى : (إِنَّمَا يَخْشَى
اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فَاطِرٍ : 28] وَقَالَ تَعَالَى : (وَلَوْ رَدُّوهُ
إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ
مِنْهُمْ) [النِّسَاءِ : 83] رَدَّ حُكْمَهُ فِي الْوَقَائِعِ إِلَى اسْتِنْبَاطِهِمْ
وَأَلْحَقَ رُتْبَتَهُمْ بِرُتْبَةِ الْأَنْبِيَاءِ فِي كَشْفِ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى .
وَأَمَّا الْأَخْبَارُ : فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ
فِي الدِّينِ وَيُلْهِمْهُ رُشْدَهُ» وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
«الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ» وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا رُتْبَةَ فَوْقَ النُّبُوَّةِ
، وَلَا شَرَفَ فَوْقَ شَرَفِ الْوِرَاثَةِ لِتِلْكَ الرُّتْبَةِ .
وَقَالَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ :
«إِذَا أَتَى عَلَيَّ يَوْمٌ لَا أَزْدَادُ فِيهِ عِلْمًا يُقَرِّبُنِي إِلَى اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ فَلَا بُورِكَ لِي فِي طُلُوعِ شَمْسِ ذَلِكَ الْيَوْمِ» .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي تَفْضِيلِ الْعِلْمِ عَلَى الْعِبَادَةِ وَالشَّهَادَةِ : «فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى
الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِي» .
فَانْظُرْ كَيْفَ جَعَلَ الْعِلْمَ مُقَارِنًا
لِدَرَجَةِ النُّبُوَّةِ ، وَكَيْفَ حَطَّ رُتْبَةَ الْعَمَلِ الْمُجَرَّدِ عَنِ الْعِلْمِ
، وَإِنْ كَانَ الْعَابِدُ لَا يَخْلُو عَنْ عِلْمٍ بِالْعِبَادَةِ الَّتِي يُوَاظِبُ
عَلَيْهَا ، وَلَوْلَاهُ لَمْ تَكُنْ عِبَادَةٌ .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: «فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى
سَائِرِ الْكَوَاكِبِ» .
وَمِنْ وَصَايَا لقمان لِابْنِهِ : «يَا
بُنَيَّ جَالِسِ الْعُلَمَاءَ وَزَاحِمْهُمْ بِرُكْبَتَيْكَ ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ
يُحْيِي الْقُلُوبَ بِنُورِ الْحِكْمَةِ كَمَا يُحْيِي الْأَرْضَ بِوَابِلِ السَّمَاءِ» .
أَمَّا الْآيَاتُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى
: (فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ)
[التَّوْبَةِ : 122] وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ
كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النَّحْلِ : 43 ، وَالْأَنْبِيَاءِ : 7] .
وَأَمَّا الْأَخْبَارُ : فَقَوْلُهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ
اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ» .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: «لَأَنْ تَغْدُوَ فَتَتَعَلَّمَ بَابًا مِنَ الْعِلْمِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ
مِائَةَ رَكْعَةٍ» .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» .
وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ : «لَأَنْ أَتَعَلَّمَ
مَسْأَلَةً أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ» وَقَالَ أَيْضًا : «الْعَالِمُ
وَالْمُعَلَّمُ شَرِيكَانِ فِي الْخَيْرِ ، وَسَائِرُ النَّاسِ هَمَجٌ لَا خَيْرَ فِيهِمْ» .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - : «طَلَبُ الْعِلْمِ أَفْضَلُ مِنَ النَّافِلَةِ» ، وَقَالَ فتح الموصلي
- رَحِمَهُ اللَّهُ -: «أَلَيْسَ الْمَرِيضُ إِذَا مُنِعَ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ
وَالدَّوَاءَ يَمُوتُ ؟ قَالُوا : بَلَى ، قَالَ : كَذَلِكَ الْقَلْبُ إِذَا مُنِعَ
عَنْهُ الْحِكْمَةُ وَالْعِلْمُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَمُوتُ» وَلَقَدْ صَدَقَ ، فَإِنَّ
غِذَاءَ الْقَلْبِ الْعِلْمُ وَالْحِكْمَةُ وَبِهِمَا حَيَاتُهُ ، كَمَا أَنَّ غِذَاءَ
الْجَسَدِ الطَّعَامُ ، وَمَنْ فَقَدَ الْعِلْمَ فَقَلْبُهُ مَرِيضٌ وَمَوْتُهُ لَازِمٌ
وَلَكِنَّهُ لَا يَشْعُرُ بِهِ ، إِذْ حُبُّ الدُّنْيَا وَشُغْلُهُ بِهَا أَبْطَلَ
إِحْسَاسَهُ . فَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ يَوْمِ كَشْفِ الْغِطَاءِ ، فَإِنَّ النَّاسَ
نِيَامٌ فَإِذَا مَاتُوا انْتَبَهُوا
.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - : «عَلَيْكُمْ بِالْعِلْمِ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ ، وَرَفْعُهُ مَوْتُ رُوَاتِهِ
، وَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يُولَدْ عَالِمًا ، وَإِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ» .
فَضِيلَةُ التَّعْلِيمِ :
أَمَّا الْآيَاتُ فَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ
: (وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)
[التَّوْبَةِ : 122] وَالْمُرَادُ هُوَ التَّعْلِيمُ
وَالْإِرْشَادُ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ) [آلِ عِمْرَانَ
: 187] وَهُوَ إِيجَابٌ لِلتَّعْلِيمِ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ
لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [الْبَقَرَةِ : 146] وَهُوَ تَحْرِيمٌ
لِلْكِتْمَانِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الشَّهَادَةِ : (وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ
آثِمٌ قَلْبُهُ) [الْبَقَرَةِ : 283] وَقَالَ تَعَالَى : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا
مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا) [فُصِّلَتْ : 33] وَقَالَ تَعَالَى
: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) [النَّحْلِ
: 125] وَقَالَ تَعَالَى : (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) [الْبَقَرَةِ
: 129 ، آلِ عِمْرَانَ : 164 ، وَالْجُمُعَةِ : 2] وَأَمَّا الْأَخْبَارُ فَقَوْلُهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَ معاذا إِلَى الْيَمَنِ : " لَأَنْ
يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا
" وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ عَلِمَ عِلْمًا فَكَتَمَهُ
أَلْجَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ " وَقَالَ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ
سَمَوَاتِهِ وَأَرْضِهِ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ فِي الْبَحْرِ
لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ " وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : " إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ
صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ
" وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الدَّالُّ عَلَى الْخَيْرِ
كَفَاعِلِهِ " وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَحْمَةُ اللَّهِ
عَلَى خُلَفَائِي ، قِيلَ وَمَنْ خُلَفَاؤُكَ ، قَالَ " الَّذِينَ يُحْيُونَ سُنَّتِي
وَيُعَلِّمُونَهَا عِبَادَ اللَّهِ
" .
وَمِنَ الْآثَارِ مَا رُوِيَ عَنْ معاذ
أَنَّهُ قَالَ : " تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ فَإِنَّ تَعَلُّمَهُ لِلَّهِ خَشْيَةٌ
، وَطَلَبَهُ عِبَادَةٌ ، وَمُدَارَسَتَهُ تَسْبِيحٌ ، وَالْبَحْثَ عَنْهُ جِهَادٌ
، وَتَعْلِيمَهُ مَنْ لَا يَعْلَمُهُ صَدَقَةٌ ، وَبَذْلَهُ لِأَهْلِهِ قُرْبَةٌ ،
وَهُوَ الْأَنِيسُ فِي الْوَحْدَةِ ، وَالصَّاحِبُ فِي الْخَلْوَةِ ، وَالدَّلِيلُ
عَلَى الدِّينِ ، وَالْمُصَبِّرُ عَلَى الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ ، يَرْفَعُ اللَّهُ
بِهِ أَقْوَامًا فَيَجْعَلُهُمْ فِي الْخَيْرِ قَادَةً سَادَةً هُدَاةً يُقْتَدَى بِهِمْ
، أَدِلَّةً فِي الْخَيْرِ ، تُقْتَصُّ آثَارُهُمْ ، وَتُرْمَقُ أَفْعَالُهُمْ ، يَبْلُغُ
الْعَبْدُ بِهِ مَنَازِلَ الْأَبْرَارِ وَالدَّرَجَاتِ الْعُلَى ; وَالتَّفَكُّرُ فِيهِ
يُعْدَلُ بِالصِّيَامِ ¡
بَيَانُ الْعِلْمِ الَّذِي هُوَ فَرْضُ
عَيْنٍ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» فَمِنْهُ مَا يُدْرَكُ
بِهِ التَّوْحِيدُ وَيُعْلَمُ بِهِ ذَاتُ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتُهُ ، وَمِنْهُ
مَا تُعْرَفُ بِهِ الْعِبَادَاتُ وَالْحَلَالُ وَالْحَرَامُ وَمَا يُحَرَّمُ مِنَ الْمُعَامَلَاتِ
وَمَا يَحِلُّ ، وَمِنْهُ مَا تُعْلَمُ بِهِ أَحْوَالُ الْقَلْبِ مَا يُحْمَدُ مِنْهَا
كَالصَّبْرِ وَالشُّكْرِ وَالسَّخَاءِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ وَحُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ
وَالصِّدْقِ وَالْإِخْلَاصِ ، وَمَا يُذَمُّ كَالْحِقْدِ وَالْحَسَدِ وَالْغِشِّ وَالْكِبْرِ
وَالرِّيَاءِ وَالْغَضَبِ وَالْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ وَالْبُخْلِ ، فَمَعْرِفَةُ
مَا تُكْتَسَبُ بِهِ الْأُولَى وَمَا تُجْتَنَبُ بِهِ الثَّانِيَةُ فَرْضُ عَيْنٍ كَتَصْحِيحِ
الْمُعْتَقَدَاتِ وَالْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ .
«فِي كَلِمَتَيِ الشَّهَادَةِ الَّتِي هِيَ
أَحَدُ مَبَانِي الْإِسْلَامِ»
عَقِيدَتُهُمْ فِي ذَاتِهِ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ
أَنَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ ، قَدِيمٌ لَا أَوَّلَ لَهُ ، مُسْتَمِرُّ
الْوُجُودِ لَا آخِرَ لَهُ ، أَبَدِيٌّ لَا نِهَايَةَ لَهُ ، دَائِمٌ لَا انْصِرَامَ
لَهُ . لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ ، مَوْصُوفًا بِنُعُوتِ الْجَلَالِ ، لَا يُقْضَى
عَلَيْهِ بِالِانْقِضَاءِ وَالِانْفِصَالِ بِتَصَرُّمِ الْآبَادِ وَانْقِرَاضِ الْآجَالِ
، بَلْ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ ، وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ
عَلِيمٌ ; وَأَنَّهُ لَيْسَ بِجِسْمٍ مُصَوَّرٍ ، وَلَا يُمَاثِلُ مَوْجُودًا ، وَلَا
يُمَاثِلُهُ مَوْجُودٌ ، وَلَا تُحِيطُ بِهِ الْجِهَاتُ ، وَلَا تَكْتَنِفُهُ الْأَرَضُونَ
وَلَا السَّمَاوَاتُ . وَأَنَّهُ مُسْتَوٍ عَلَى الْعَرْشِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي
قَالَهُ وَبِالْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ ، وَهُوَ فَوْقَ الْعَرْشِ وَالسَّمَاءِ
، وَفَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ إِلَى تُخُومِ الثَّرَى ، فَوْقِيَّةً لَا تَزِيدُهُ قُرْبًا
إِلَى الْعَرْشِ وَالسَّمَاءِ كَمَا لَا تَزِيدُهُ بُعْدًا عَنِ الْأَرْضِ وَالثَّرَى
، بَلْ هُوَ رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ عَنِ الْعَرْشِ وَالسَّمَاءِ كَمَا أَنَّهُ رَفِيعُ
الدَّرَجَاتِ عَنِ الْأَرْضِ وَالثَّرَى ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ قَرِيبٌ مِنْ كُلِّ مَوْجُودٍ
، وَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى الْعَبْدِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ، إِذْ لَا يُمَاثِلُ قُرْبُهُ
قُرْبَ الْأَجْسَامِ ، كَمَا لَا تُمَاثِلُ ذَاتُهُ ذَاتَ الْأَجْسَامِ ، وَأَنَّهُ
لَا يَحُلُّ فِي شَيْءٍ وَلَا يَحُلُّ فِيهِ شَيْءٌ ، تَعَالَى عَنْ أَنْ يَحْوِيَهُ
مَكَانٌ كَمَا تَقَدَّسَ عَنْ أَنْ يَحُدَّهُ زَمَانٌ ، بَلْ كَانَ قَبْلَ أَنْ خَلَقَ
الزَّمَانَ وَالْمَكَانَ ، وَهُوَ الْآنَ عَلَى مَا عَلَيْهِ كَانَ ، وَأَنَّهُ فِي
ذَاتِهِ مَعْلُومُ الْوُجُودِ بِالْعُقُولِ ، مَرْئِيُّ الذَّاتِ بِالْأَبْصَارِ فِي
دَارِ الْقَرَارِ نِعْمَةً مِنْهُ وَلُطْفًا بِالْأَبْرَارِ ، وَإِتْمَامًا مِنْهُ
لِلنَّعِيمِ بِالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ ، وَأَنَّهُ تَعَالَى حَيٌّ قَادِرٌ
جَبَّارٌ قَاهِرٌ لَا يَعْتَرِيهِ قُصُورٌ وَلَا عَجْزٌ ، وَلَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ
وَلَا نَوْمٌ ، وَلَا يُعَارِضُهُ فَنَاءٌ وَلَا مَوْتٌ ، وَأَنَّهُ الْمُنْفَرِدُ
بِالْخَلْقِ وَالِاخْتِرَاعِ ، الْمُتَوَحِّدُ بِالْإِيجَادِ وَالْإِبْدَاعِ ; وَأَنَّهُ
عَالِمٌ بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ ، مُحِيطٌ بِمَا يَجْرِي مِنْ تُخُومِ الْأَرَضِينَ
إِلَى أَعْلَى السَّمَاوَاتِ ، لَا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ
وَلَا فِي السَّمَاءِ ، بَلْ يَعْلَمُ دَبِيبَ النَّمْلَةِ السَّوْدَاءِ عَلَى الصَّخْرَةِ
الصَّمَّاءِ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ ، وَيُدْرِكُ حَرَكَةَ الذَّرِّ فِي جَوِّ
الْهَوَاءِ ، وَيَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ، وَيَطَّلِعُ عَلَى هَوَاجِسِ
وَنَدِينُ بِأَنْ لَا نُكَفِّرَ أَحَدًا
مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِذَنْبٍ يَرْتَكِبُهُ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ
الْخُمُورِ ، وَنَدِينُ بِأَنْ لَا نُنْزِلَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ وَالْمُتَمَسِّكِينَ
بِالْإِيمَانِ جَنَّةً وَلَا نَارًا إِلَّا مَنْ شَهِدَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْجَنَّةِ ، وَنَرْجُو الْجَنَّةَ لِلْمُذْنِبِينَ
وَنَخَافُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَكُونُوا بِالنَّارِ مُعَذَّبِينَ ، وَنَقُولُ إِنَّ.MAU’IZHATUN
MUKMININ.1/18.BY ABI AZMI
Tidak ada komentar:
Posting Komentar