MEMAHAMI AYAT MUHKAM DAN MUTASYABIH
{ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ
مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا
الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ
الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ
فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ
إِلا أُولُو الأَلْبَابِ (7) }ALI
IMRAN
هو وحده الذي أنزل عليك القرآن: منه آيات
واضحات الدلالة، هن أصل الكتاب الذي يُرجع إليه عند الاشتباه، ويُرَدُّ ما خالفه إليه،
ومنه آيات أخر متشابهات تحتمل بعض المعاني، لا يتعيَّن المراد منها إلا بضمها إلى المحكم،
فأصحاب القلوب المريضة الزائغة، لسوء قصدهم يتبعون هذه الآيات المتشابهات وحدها; ليثيروا
الشبهات عند الناس، كي يضلوهم، ولتأويلهم لها على مذاهبهم الباطلة. ولا يعلم حقيقة
معاني هذه الآيات إلا الله. والمتمكنون في العلم يقولون: آمنا بهذا القرآن، كله قد
جاءنا من عند ربنا على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ويردُّون متشابهه إلى محكمه،
وإنما يفهم ويعقل ويتدبر المعاني على وجهها الصحيح أولو العقول السليمة.ALMUYASSAR.1/306
شرح الكلمات :
{ محكمات } : الظاهر الدلالة البيّنة المعنى التي
لا تحتمل إلا معنى واحداً ، وذلك كآيات الأحكام من حلال وحرام وحدود ، وعبادات ، وعبر
وعظات .
{ متشابهات } : غير ظاهرة الدلالة محتملة لمعان يصعب
على غير الراسخين في العلم القول فيها وهي كفواتح السور ، وكأمور الغيب . ومثل قول
الله تعالى في عيسى عليه السلام : { . . . . وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه . .
} وكقوله تعالى : { . . إن الحكم إلا الله ، . . } { في قلوبهم زيغ } : الزيغ : الميل
عن الحق بسبب شبهة أو شهوة أو فتنة
.
{ ابتغاء الفتنة } : أي طلباً لفتنة المؤمنين في دينهم
ومعتقداتهم .
{ ابتغاء تأويله } : طالباً لتأوليه ليوافق معتقداتهم
الفاسدة .
{ وما يعلم تأوليه إلا الله } : وما يعلم ما يؤول
إليه أمر المتشابه إلا الله منزله
.
{ الراسخون في العلم } : هم أهل العلم اليقيني في
نفوسهم الذين رسخت أقدامهم في معرفة الحق فلا يزلّون ولا يَشْتَطّون في شبهة أو باطل .
وأن الراسخين في العلم يُفَوِّضُون أمره
إلى الله منزله فيقولون : { . . آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب
} ، ويسألون ربهم الثبات على الحق فيقولون : { . . ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا
وهب لنا من لدنك رحمة . . } ترحمنا بها في دنيانا وأخرانا إنك أنت وحدك الوهاب ، لا
إله غيرك ولا ربّ سواك ، ويقررون مبدأ المعاد والدار الآخرة فيقولون سائلين ضارعين
{ ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه } لمحاسبتهم ومجازاتهم على أعمالهم فاغفر لنا
وارحمنا يؤمئذ حيث آمنا بك وبرسولك وبكتابك محكم آية متشابهه ، إنم لا تخلف الميعاد .
هداية الآيات
{ من هداية الآيات } :
1- في كتاب الله المحكم والمتشابه ، فالمحكم يجب الإِيمان
به والعمل بمقتضاه ، والمتشابه يجب الإِيمن ويفوض أمر تأويله إلى الله منزله ويقال
: { . . آمنا به كلّ من عن ربّنا
. . } .
2- أهل الزيغ الذين يتبعون ما تشابه يجب هجرانهم والإِعراض
عنهم لأنهم مبتدعة وأهل أهوء .
3- استحباب الدعاء بطلب النجاة عن ظهور الزَّيغ ورؤية
الفتن والضلال .
4- تقرير مبدأ المعاد والدار الآخرة .AISARUT TAFASIR.1/150-151
فيه تسع مسائل :
الأولى : خرّج مسلم عن عائشة ??? ????
??ها قالت : تلا رسول الله ??? ???? ???? ???? { هُوَ الذي أَنزَلَ عَلَيْكَ الكتاب
مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكتاب وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ
في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابتغاء الفتنة وابتغاء
تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ الله والراسخون فِي العلم يَقُولُونَ
آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألباب
} قالت : قال رسول الله ???
???? ???? ???? :
« إذا رأيتم الذين يتّبعون ما تشابه منه فأولئك الذين
سماهم الله فاحذروهم » وعن أبي غالب قال : كنت أمشي مع أبي أُمَامة وهو على حمارٍ له
، حتى إذا انتهى إلى دَرَج مسجد دمشق فإذا رؤوس منصوبة؛ فقال : ما هذه الرُّؤوس؟ قيل
: هذه رؤوس خوارج يجاء بهم من العراق . فقال أبو أُمامة : كِلابُ النار كِلابُ النار
كلابُ النارا شرُّ قتلى تحت ظل السماء ، طوبى لمن قتلهم وقتلوه يقولها ثلاثاً ثم بكى
. فقلت : ما يبكيك يا أبا أُمَامة؟ قال : رحمةً لهم ، إنهم كانوا من أهل الإسلام فخرجوا
منه؛ ثم قرأ { هُوَ الذي أَنزَلَ عَلَيْكَ الكتاب مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ } إلى
آخر الآيات . ثم قرأ { وَلاَ تَكُونُواْ كالذين تَفَرَّقُواْ واختلفوا مِن بَعْدِ مَا
جَآءَهُمُ البينات } [ آل عمران : 105 ] . فقلت : يا أبا أُمَامة ، هُمْ هؤلاء؟ قال
نعم . قلتُ : أشيء تقوله برأيك أم شيء سمعته من رسول الله ??? ???? ???? ???? ؟ فقال
: إني إذَّاً لَجَريءٌ إني إذا لجريءا بل سمعته من رسول الله ??? ???? ???? ???? غير
مرة ولا مرتين ولا ثلاث ولا أربع ولا خمسٍ ولا ست ولا سبع ، ووضع أصبعيْه في أُذُنَيْه
، قال : وإلاّ فصُمَّتا قالها ثلاثاً ثم قال : سمعت رسول الله ??? ???? ???? ???? يقول
: « تفرقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين فرقةً واحدةٌ في الجنة وسائرهم في النار ولتَزيدنّ
عليهم هذه الأمة واحدة واحدةٌ في الجنة وسائرُهم في النار » . الثانية : اختلف العلماء
في المحكمات والمتشابهات على أقوال عديدة ، فقال جابر بن عبد الله ، وهو مقتضى قول
الشعبي وسفيان الثوري وغيرهما : المحكمات من آي القرآن ما عرِف تأويله وفهم معناه وتفسيره
. والمتشابه ما لم يكن لأحد إلى علمه سبيل مما استأثر الله تعالى بعلمه دون خلقه .
قال بعضهم : وذلك مِثل وقت قيام الساعة ، وخروج يأجوج ومأجوج والدجال وعيسى ، ونحو
الحروف المقطعة في أوائل السور
.
قلت : هذا أحسن ما قيل في المتشابه . وقد
قدّمنا في أوائل سورة البقرة عن الربيع بن خيثم أنّ الله تعالى أنزل القرآن فاستأثر
منه بعلم ما شاء؛ الحديث . وقال أبو عثمان؛ المحكم فاتحة الكتاب التي لا تجزىء الصلاة
إلا بها .
وقال محمد بن الفضل : سورة الإخلاص ، لأنه
ليس فيها إلا التوحيد فقط . وقد قيل : القرأن كله محكم : لقوله تعالى : { كِتَابٌ أُحْكِمَتْ
آيَاتُهُ } [ هود : 1 ] وقيل : كله متشابه؛ لقوله : { كِتَاباً مُّتَشَابِهاً } [ الزمر
: 23 ] .
قلت : وليس هذا من معنى الآية في شيء؛ فإن
قوله تعالى { كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ } [ هود : 1 ] أي في النظم والرصْف وأنه
حق من عند الله . ومعنى «كتاباً مُتَشَابِهاً» ، أي يشبه بعضه بعضا ويصدق بعضه بعضا
. وليس المراد بقوله «آيَاتٌ مُحُكَمَاتٌ» «وأُخَرُ مُتَشَابِهاتٌ» هذا المعنى؛ وإنما
المتشابه في هذه الآية من باب الاحتمال والاشتباه ، من قوله { إِنَّ البقر تَشَابَهَ
عَلَيْنَا } [ البقرة : 70 ] أي التبس علينا ، أي يحتمل أنواعاً كثيرة من البقر . والمراد
بالمحكم ما في مقابلة هذا ، وهو ما لا التباس فيه ولا يحتمل إلا وجها واحداً . وقيل
: إن المتشابه ما يحتمل وجوها ، ثم إذا رُدَّتْ الوجوه إلى وجه واحد وأبطِل الباقي
صار المتشابه محكماً . فالمحكم أبداً أصل تردّ إليه الفروع ، والمتشابه هو الفرع .
وقال ابن عباس : المحكمات هو قوله في سورة الأنعام { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ
رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } [ الأنعام : 151 ] إلى ثلاث آيات ، وقوله في بني إسرائيل {
وقضى رَبُّكَ أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ إِيَّاهُ وبالوالدين إِحْسَاناً } [ الإسراء :
23 ] قال ابن عطية : وهذا عندي مثال أعطاه في المحكمات . وقال ابن عباس أيضاً؛ المحكمات
ناسخه وحرامه وفرائضه وما يؤمن به ويعمل به ، والمتشابهات المنسوخات ومقدّمه ومؤخّره
وأمثالُه وأقسامه وما يؤمن به ولا يعمل به ، وقال ابن مسعود وغيره : المحكمات الناسخات
، والمتشابهات المنسوخات ، وقاله قتادة والربيع والضحاك . وقال محمد بن جعفر بن الزبير
: المحكمات هي التي فيها حجة الرب وعصمة العباد ودفع الخُصُوم والباطل ، ليس لها تصريف
ولا تحريف عما وضعن عليه . والمتشابهات لهنّ تصريف وتحريف وتأويل ، ابتلى الله فيهنّ
العباد؛ وقاله مجاهد وابن إسحاق . قال ابن عطية : وهذا أحسن الأقوال في هذه الآية
. قال النحاس : أحسن ما قيل في المحكمات ، والمتشابهات أنّ المحكمات ما كان قائماً
بنفسه لا يحتاج أن يرجع فيه إلى غيره؛ نحو { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }
[ الإخلاص : 4 ] { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ } [ طه : 82 ] والمتشابهات نحو
{ إِنَّ الله يَغْفِرُ الذنوب جَمِيعاً } [ الزمر : 53 ] يرجع فيه إلى قوله جل وعلا
: { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ } [ طه : 82 ] وإلى قوله ?? ???؛ { إِنَّ الله
لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } [ النساء : 48 ] .
قلت : ما قاله النحاس يبين ما اختاره ابن
عطية ، وهو الجاري على وَضْع اللسان؛ وذلك أن المحْكَم آسم مفعول من أحْكِم ، والإحكام
الإتْقان؛ ولا شك في أن ما كان واضح المعنى لا إشكال فيه ولا تردد ، إنما يكون كذلك
لوضوح مفردات كلماته وإتقان تركيبها؛ ومتى اختل أحد الأمرين جاء التشابه والإشكال
. والله أعلم . وقال ابن خويزِمَنْدَاد : للمتشابه وجوهٌ ، والذي يتعلق به الحكم ما
اختلف فيه العلماء أيّ الآيتين نسخت الأُخرى؛ كقول عليّ وابن عباس في الحامل المتوفى
عنها زوجها تعتدّ أقْصَى الأجلين
.
فكان عمر وزيد بن ثابت وابن مسعود وغيرهم
يقولون وضع الحمل ، ويقولون : سورة النساء القصرى نسختْ أربعة أشهر وعَشْراً . وكان
عليّ وابن عباس يقولان لم تنسخ . وكاختلافهم في الوصية للوارث هل نُسخت أم لم تُنْسَخ
. وكتعارض الآيتين أيهما أولى أن تقدّم إذا لم يعرف النسخ ولم توجد شرائطه؛ كقوله تعالى
: { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } [ النساء : 24 ] يقتضي الجمع بين الأقارب
من مِلك اليمين ، وقوله تعالى : { وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأختين إَلاَّ مَا قَدْ
سَلَفَ } [ النساء : 23 ] يمنع ذلك . ومنه أيضاً تعارض الأخبار عن النبيّ ??? ????
???? ???? وتعارض الأقْيسَة ، فذلك المتشابه . وليس من المتشابه أن تقرأ الآية بقراءتين
ويكون الاسم محتملاً أو مجملاً يحتاج إلى تفسير؛ لأن الواجب منه قدر ما يتناوله الاسم
أو جميعه . والقراءتان كالآيتين يجب العمل بموجبهما جميعاً؛ كما قرىء : { وامسحوا بِرُؤُوسِكُمْ
وَأَرْجُلَكُمْ } [ المائدة : 6 ] بالفتح والكسر ، على ما يأتي بيانه «في المائدة»
إن شاء الله تعالى .
الثالثة : روى البخاريّ عن سعيد بن جبير
قال : قال رجل لابن عباس : إني أجد في القرآن أشياءَ تختلفُ عليّ . قال : ما هو؟ قال
: { فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } [ المؤمنون :
101 ] وقال : { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } [ الصافات : 27
] وقال : { وَلاَ يَكْتُمُونَ الله حَدِيثاً } [ النساء : 42 ] وقال : { والله رَبِّنَا
مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] فقد كتموا في هذه الآية . وفي النازعات
{ أَمِ السمآء بَنَاهَا } { والأرض بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } [ النازعات : 27 30 ]
فذكر خلق السماء قبل خلق الأرض ، ثم قال { أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بالذي خَلَقَ
الأرض فِي يَوْمَيْنِ ثُمَّ استوى إِلَى السمآء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ
ائتيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } [ فصلت : 9 11 ] فذكر
في هذا خلق الأرض قبل خلق السماء . وقال : { وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً } [ الفتح
: 14 ] . { وَكَانَ الله عَزِيزاً حَكِيماً } [ الفتح : 7 ] . { وَكَانَ الله سَمِيعاً
بَصِيراً } [ النساء : 134 ] فكأنه كان ثم مضى . فقال ابن عباس : «فَلاَ أَنْسَابَ
بَيْنَهُمْ» في النفخة الأُولى ، ثم ينفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض
إلا من شاء الله ، فلا أنساب بينهم عند ذلك ولا يتساءلون؛ ثم في النفخة الآخرة أقبل
بعضهم على بعض يتساءلون . وأمّا قوله : { مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } { وَلاَ يَكْتُمُونَ
الله حَدِيثاً } فإن الله يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم ، وقال المشركون : تعالوا نقول
: لم نكن مشركين؛ فختم الله على أفواههم فتنطق جوارحهم بأعمالهم؛ فعند ذلك عرف أن الله
لا يكتم حديثاً ، وعنده يودّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين . وخلق الله الأرض في يومين
، ثم استوى إلى السماء فسوّاهن سبع سماوات في يومين ، ثم دحا الأرض أي بسطها فأخرج
منها الماء والمرعى ، وخلق فيها الجبال والأشجار والآكام وما بينها في يومين آخرين؛
فذلك قوله :
الثالث : اختلفوا في جواز ذلك بناء على
الخلاف في جواز تأويلها . وقد عرف أنّ مذهب السلف ترك التعرّض لتأويلها مع قطعهم باستحالة
ظواهرها ، فيقولون أمِرّوها كما جاءت . وذهب بعضهم إلى إبداء تأويلاتها وحملِها على
ما يصح حمله في اللسان عليها من غير قطع بتعيين مجمل منها .
الرابع : الحكم فيه الأدب البليغ ، كما
فعله عمر بصبيغ . وقال أبو بكر الأنباريّ : وقد كان الأئمة من السلف يعاقبون من يسأل
عن تفسير الحروف المشكلات في القرآن ، لأن السائل إن كان يبغي بسؤاله تخليد البدعة
وإثارة الفتنة فهو حقيق بالنكير وأعظم التعزير ، وإن لم يكن ذلك مقصده فقد استحق العتب
بما اجترم من الذنب ، إذ أوجد للمنافقين الملحدين في ذلك الوقت سبيلاً إلى أن يقصدوا
ضَعَفَة المسلمين بالتشكيك والتضليل في تحريف القرآن عن مناهج التنزيل وحقائق التأويل
. فمن ذلك ما حدّثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي أنبأنا سليمان بن حرب عن حماد بن زيد
عن زيد بن حازم عن سليمان بن يسار أن صبِيغ بن عِسل قدِم المدينة فجعل يسأل عن متشابه
القرآن وعن أشياء؛ فبلغ ذلك عمر ??? ???? ??ه فبعث إليه عمر فأحضره وقد أعدّ له عراجين
من عراجين النخل . فلما حضر قال له عمر : من أنت؟ قال : أنا عبد الله صبِيغ . فقال
عمر ??? ???? ??ه : وأنا عبد الله عمر؛ ثم قام إليه فضرب رأسه بعرجون فشَجّه ، ثم تابع
ضربه حتى سال دمه على وجهه ، فقال : حسبك يا أمير المؤمنين! فقد والله ذهب ما كنت أجدُ
في رأسي . وقد اختلفت الروايات في أدبه ، وسيأتي ذكرها في «الذاريات» . ثم إن الله
تعالى ألهمه التوبة وقذفها في قلبه فتاب وحسنت توبته . ومعنى { ابتغاء الْفِتْنَةِ
} طلب الشبهات واللبس على المؤمنين حتى يفسدوا ذات بينهم ، ويردّوا الناس إلى زيغِهم
. وقال أبو إسحاق الزجاج : معنى { ابتغاء تأويله } أنهم طلبوا تأويل بعثِهم وإحيائهم
، فأعلم الله جل وعز أن تأويل ذلك ووقته لا يعلمه إلا الله . قال : والدليل على ذلك
قوله تعالى : { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ }
[ الأعراف : 53 ] أي يوم يرون ما يوعدون من البعث والنشور والعذاب { يَقُولُ الَّذينَ
نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ } أي تركوه { قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بالحق } [ الأعراف
: 53 ] أي قد رأينا تأويل ما أنبأتنا به الرّسل . قال : فالوقف على قوله تعالى : {
وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ الله } أي لا يعلم أحد متى البعث إلا الله .
السابعة : قوله تعالى : { وَمَا يَعْلَمُ
تَأْوِيلَهُ إِلاَّ الله } يقال : إن جماعة من اليهود منهم حيي بن أخطب دخلوا على رسول
الله ??? ???? ???? ???? وقالوا : بلغنا أنه نزل عليك { الم } ، فإن كنت صادقاً في
مقالتك فإن ملك أُمّتك يكون إحدى وسبعين سنة؛ لأن الألِف في حساب الجّمل واحد ، واللام
ثلاثون ، والميم أربعون ، فنزل { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ الله } .
والتأويل يكون بمعنى التفسير ، كقولك :
تأويل هذه الكلمة على كذا . ويكون بمعنى ما يؤول الأمر إليه . واشتقاقه من آل الأمر
إلى كذا يؤول إليه ، أي صار . وأوّلته تأويلاً أي صيرته . وقد حدّه بعض الفقهاء فقالوا
: هو إبداء احتمال في اللفظ مقصود بدليل خارج عنه . فالتفسير بيان اللفظ؛ كقوله { لاَ
رَيْبَ فِيهِ } [ البقرة : 1 ] أي لا شك . وأصله من الفسر وهو البيان؛ يقال : فسرت
الشيء ( مخففاً ) أفْسِره ( بالكسر ) فَسْراً . والتأويل بيان المعنى؛ كقوله لا شك
فيه عند المؤمنين . أو لأنه حق في نفسه فلا يقبل ذاته الشك وإنما الشك وصف الشاك .
وكقول ابن عباس في الجد أبا؛ لأنه تأوّل قول الله ?? ??? : { يابني آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا
عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التقوى ذلك خَيْرٌ
ذلك مِنْ آيَاتِ الله لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } [ الأعراف : 26 ] .
الثامنة : قوله تعالى : { والراسخون فِي
العلم } اختلف العلماء في { والرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْم } هل هو ابتداء كلامٍ مقطوع
مما قبله ، أو هو معطوف على ما قبله فتكون الواو للجمع . فالذي عليه الأكثر أنه مقطوع
مما قبله ، وأنّ الكلام تَمّ عند قوله { إِلاَّ الله } هذا قول ابن عمرو بن عباس وعائشة
وعروة بن الزبير وعمر بن عبد العزيز وغيرهم ، وهو مذهب الكِسائيّ والأخفش والفرّاء
وأبي عبيد وغيرهم . قال أبو نهِيك الأسديّ : إنكم تصِلون هذه الآية وإنها مقطوعة .
وما انتهى علم الراسخين إلا إلى قولهم { آمَنَّا به كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا }
. وقال مثل هذا عمر بن عبد العزيز ، وحكى الطبريّ نحوه عن يونس عن أشهب عن مالك بن
أنس . و { يقولون } على هذا خبر { الراسخون } . قال الخطابيّ : وقد جعل الله تعالى
آيات كتابه الذي أمرنا بالإيمان به والتصديق بما فيه قسمين : محكماً ومتشابِهاً؛ فقال
عز من قائل : { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ
هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ - إلى قوله - كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا
} فأعْلَمَ أنّ المتشابه من الكتاب قد استأثر الله بعلمه ، فلا يعلم تأويله أحَدٌ غيره
، ثم أثنى الله ?? ??? على الراسخين في العلم بأنهم يقولون آمنا به . ولولا صحة الإيمان
منهم لم يستحقوا الثناء عليه . ومذهب أكثر العلماء أن الوقف التّام في هذه الآية إنما
هو عند قوله تعالى : { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ الله } وأن ما بعده استئناف
كلامٍ آخر ، وهو قوله { والراسخون فِي العلم يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ } . وروي ذلك
عن ابن مسعود وأُبيّ بن كعب وابن عباس وعائشة . وإنما روى عن مجاهد أنه نَسَق { الراسخون
} على ما قبله وزعم أنهم يعلمونه . واحتج له بعض أهل اللغة فقال : معناه والراسخون
في العلم يعلمونه قائلين آمنا؛ وزعم أن موضع { يقولون } نصب على الحال .
وعامة أهل اللغة ينكرونه ويستبعدونه؛ لأن
العرب لا تضمر الفعل والمفعول معاً ، ولا تذكر حالاً إلا مع ظهور الفعل؛ فإذا لم يظهر
فعل فلا يكون حال؛ ولو جاز ذلك لجاز أن يقال : عبد الله راكباً ، بمعنى أقبل عبد الله
راكباً؛ وإنما يجوز ذلك مع ذكر الفعل كقوله : عبد الله يتكلم يصلح بين الناس؛ فكان
يصلح حالاً له؛ كقول الشاعر أنشدنيه أبو عمر قال أنشدنا أبو العباس ثعلب :
أرسلتُ فيها قَطِماً لُكَالِكَا ... يَقْصُر
يَمْشِي ويطول بَارِكا
أي يقصر ماشياً؛ فكان قول عامة العلماء
مع مساعدة مذاهب النحويين له أولى من قول مجاهد وحده ، وأيضاً فإنه لا يجوز أن ينفى
الله سبحانه شيئاً عن الخلق ويثبته لنفسه ثم يكون له في ذلك شريك . ألا ترى قوله
?? ??? : { قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السماوات والأرض الغيب إِلاَّ الله } [ النمل
: 65 ] وقوله : { لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ } [ الأعراف : 187 ] وقوله
: { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } [ القصص : 88 ] ، فكان هذا كله مما استأثر
الله سبحانه بعلمه لا يُشْرِكه فيه غيره . وكذلك قوله تبارك وتعالى : { وَمَا يَعْلَمُ
تَأْوِيلَهُ إِلاَّ الله } . ولو كانت الواو في قوله : { والراسخون } للنسق لم يكن
لقوله : { كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا } فائدة . والله أعلم .
قلت : ما حكاه الخطابيّ من أنه لم يقل بقول
مجاهد غيره فقد روي عن ابن عباس أن الراسخين معطوف على اسم الله ?? ??? ، وأنهم داخلون
في علم المتشابه ، وأنهم مع علمهم به يقولون آمنا به؛ وقاله الربيع ومحمد بن جعفر بن
الزبير والقاسم بن محمد وغيرهم . و { يقولون } على هذا التأويل نصب على الحال من الراسخين؛
كما قال :
الريحُ تَبْكِي شَجْوَها ... والبرقُ يلْمَع
في الغَمامَهْ
وهذا البيت يحتمل المعنيين؛ فيجوز أن يكون
«والبرق» مبتدأ ، والخبر «يلمع» على التأويل الأوّل ، فيكون مقطوعاً مما قبله . ويجوز
أن يكون معطوفاً على الريح ، و «يلمع» في موضع الحال على التأويل الثاني أي لامِعاً
. واحتج قائلو هذه المقالة أيضاً بأن الله سبحانه مدحهم بالرسوخ في العلم؛ فكيف يمدحهم
وهم جهّال! وقد قال ابن عباس : أنا ممن يعلم تأويله . وقرأ مجاهد هذه الآية وقال :
أنا ممن يعلم تأويله؛ حكاه عنه إمام الحرمين أبو المعالي .
قلت : وقد ردّ بعض العلماء هذا القول إلى
القول الأوّل فقال : وتقدير تمام الكلام { عِند اللَّهِ } أن معناه وما يعلم تأويلَه
إلا الله يعني تأويلَ المتشابهات ، والراسخون في العلم يعلمون بعضه قائلين آمنّا به
كلٌّ من عند ربنا بما نُصِب من الدلائل في المُحْكَم ومكّن من ردّه إليه . فإذا علموا
تأويل بعضه ولم يعلموا البعض قالوا آمنا بالجميع كلٌّ من عند ربنا ، وما لم يحِط به
علمنا من الخفايا مما في شرعه الصّالح فعلمه عند ربِّنا . فإن قال قائل : قد أشكل على
الراسخين بعض تفسيره حتى قال ابن عباس : لا أدري ما الأوّاهُ ولا ما غِسْلِين ، قيل
له : هذا لا يلزم؛ لأن ابن عباس قد علم بعد ذلك ففسر ما وقف عليه .
وجوابٌ أقطع من هذا وهو أنه سبحانه لم يقل
وكل راسخ فيجب هذا ، فإذا لم يعلمه أحد علمه الآخر . ورجّح ابن فورك أنّ الراسخين يعلمون
التأويل وأطنب في ذلك؛ وفي قوله عليه السلام لابن عباس : « اللَّهمّ فقهه في الدين
وعلمه التأويل » ما يبين لك ذلك ، أي علمه معاني كتابك . والوقف على هذا يكون عند قوله
{ والرّاسِخُونَ في الْعِلْم } . قال شيخنا أبو العباس أحمد بن عمر : وهو الصحيح؛ فإن
تسميتهم راسخين يقتضي أنهم يعلمون أكثر من المُحْكَم الذي يستوي في علمه جميع من يفهم
كلام العرب . وفي أيّ شيء هو رسوخهم إذا لم يعلموا إلا ما يعلم الجميع! . لكن المتشابه
يتنوّع ، فمنه ما لا يعلم أَلبتّة كأمر الرُّوح والساعة مما استأثر الله بغيبه ، وهذا
لا يتعاطى عِلمه أحد لا ابن عباس ولا غيره . فمن قال من العلماء الحُذَّاق بأن الراسخين
لا يعلمون علم المتشابه فإنما أراد هذا النوع ، وأما ما يمكن حمله على وجوه في اللغة
ومَنَاحٍ في كلام العرب فيُتأوّل ويُعلم تأويله المستقيم ، ويُزال ما فيه مما عسى أن
يتعلق من تأويل غير مستقيم؛ كقوله في عيسى : { وَرُوحٌ مِّنْهُ } [ النساء : 171 ]
إلى غير ذلك . فلا يُسمّى أحدٌ راسخاً إلا بأن يعلم من هذا النوع كثيراً بحسب ما قُدّر
له . وأمّا من يقول : إن المتشابه هو المنسوخ فيستقيم على قوله إدخالُ الراسخين في
علم التأويل؛ لكن تخصيصه المتشابهات بهذا النوع غير صحيح .
والرسوخ : الثبوت في الشيء ، وكل ثابت راسخ
. وأصله في الأجرام أن يرسخ الجبل والشجر في الأرض؛ قال الشاعر :
لقد رَسَختْ في الصّدْر مِنِّي مودّةٌ
... لِلَيْلَى أبَتْ آياتُها أنْ تَغَيَّرا
ورسَخ الإيمان في قلب فلان يَرْسَخ رسوخاً
. وحكى بعضهم : رسخ الغَدِيرُ : نَضَب ماؤه؛ حكاه ابن فارس فهو من الأضداد . ورَسَخ
ورَضَخ ورَصُن ورسَب كله ثبت فيه . وسئل النبيّ ??? ???? ???? ???? عن الراسخين في
العلم فقال : « هو مَنْ بَرّتْ يمينُه وصدَق لسانُه واستقام قلبه » فإن قيل : كيف كان
في القرآن متشابه والله يقول : { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذكر لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ
مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ } [ النحل : 44 ] فكيف لم يجعله كله واضحاً؟ قيل له : الحكمة
في ذلك والله أعلم أن يظهر فضل العلماء ، لأنه لو كان كله واضحاً لم يظهر فضلُ بعضهم
على بعض . وهكذا يفعل من يصنِّف تصنيفاً يجعل بعضه واضحاً وبعضه مشكلاً ، ويترك للجُثْوَة
موضعاً؛ لأن ما هان وجودُه قلّ بهاؤه . والله أعلم .
التاسعة : قوله تعالى : { كُلٌّ مِّنْ عِندِ
رَبِّنَا } فيه ضمير عائد على كتاب الله تعالى مُحكمِه ومُتشابهه؛ والتقدير : كله من
عند ربنا . وحذف الضمير لدلالة { كلّ } عليه؛ إذْ هي لفظة تقتضي الإضافة . ثم قال
: { وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألباب } أي ما يقول هذا ويُؤمنُ ويقفُ حيث
وقَفَ ويَدَع اتباع المتشابه إلا ذو لُبٍّ ، وهو العقل . ولُبّ كل شيء خالصه؛ فلذلك
قيل للعقل لُبّ . و { أولوا } جمع ذو
.ALQURTHUBY.1/938- 945 (29/12/2013).BY ABI AZMAN
Tidak ada komentar:
Posting Komentar