مَنْ يَهْدِ اللَّهُ
فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (178) وَلَقَدْ
ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ
بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا
أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)
179. dan Sesungguhnya Kami jadikan
untuk (isi neraka Jahannam) kebanyakan dari jin dan manusia, mereka mempunyai
hati, tetapi tidak dipergunakannya untuk memahami (ayat-ayat Allah) dan mereka
mempunyai mata (tetapi) tidak dipergunakannya untuk melihat (tanda-tanda
kekuasaan Allah), dan mereka mempunyai telinga (tetapi) tidak dipergunakannya
untuk mendengar (ayat-ayat Allah). mereka itu sebagai binatang ternak, bahkan
mereka lebih sesat lagi. mereka Itulah orang-orang yang lalai.AL-A’RAF
قوله عز وجل : { وَلَقَدْ
ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ } ، { ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ
} أي خلقنا ممن يصير إلى جهنم بكفره ومعصيته .
و { كَثِيراً مِّنَ
الْجِنِّ وَالإِنْسِ } فيه قولان :
أحدهما : أراد أولاد
الزنى لأنهم من النطف الخبيثة مخلوقين ، فهم أكثر الناس إسراعاً إلى الكفر والمعصية
فيصيرون جامعين بين [ سوء ] المعتقد وخبث المولد .
والقول الثاني : أنه
على العموم في أولاد الزنى والرِشدة فيمن ولد من نكاح أو سفاح لأنهم مؤاخذون على أفعالهم
لا على مواليدهم التي خبثت بأفعال غيرهم .
{ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا } الحق .
{ وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا } الرشد .
{ وَلَهُمْ ءَاذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا } الوعظ ، فصاروا بترك استعمالها بمثابة
من عَدِمها ، قال مسكين الدرامي :
أعمى إذا ما جارتي
خرجت ... حتى يُواري جارتي الجدر
وأصم عما كان بينهما
... سمعي وما في سمعي الوقرal-mawardy.2/33
شرح الكلمات
:
{ ذرأنا لجهنم } : خلقنا لجهنم أي للتعذيب بها والاستقرار فيها
.
{ لا يفقهون بها } : كلام الله ولا كلام رسوله .
{ لا يبصرون بها } : آيات الله في الكون .
{ لا يسمعون بها } : الحق والمعروف .
{ كالأنعام } : البهائم في عدم الانتفاع بقلوبهم وأبصارهم وأسماعهم
.
{ الغافلون } : أي عن آيات الله ، وما خُلقوا له وما يراد لهم وبهم
.
{ ولله الأسماء الحسنى } : الأسماء جمع اسم والحسنى مؤنث الأحسن ، والأسماء الحسنى
لله خاصة دون غيره فلا يشاركه فيها أحد من مخلوقاته .
{ وذروا } : اتركوا .
{ يلحدون } : يميلون بها إلى الباطل .
{ وممن خلقنا } : أي من الناس .
معنى الآيات
:
على إثر ذكر الهدى
والضلال وإن المهتدى من هداه الله ، والضال من اضله الله أخبر تعال أنه قد خلق لجهنم
كثيراً من الجن والإِنس ، علما منه تعالى بانهم يرفضون هدايته ويتكبرون عن عبادته ،
ويحاربون أنبياءه ورسله ، وإن رفضهم للهداية وتكبرهم عن العبادة عطل حواسهم فلا القلب
يفقه ما يقال له ، ولا العين تبصر ما تراه ، ولا الأذن تسمع ما تخبر به وتحدث عنه فأصحبوا
كالآنعام بل هم أضل لأن الأنعام ما خرجت عن الطريق الذي سيقت له وخلقت لأجله ، وأما
أولئك فقد خرجوا عن الطريق الذي امروا بسلوكه ، وخلقوا له ألا وهو عبادة الله تعالى
وحده لا شريك له لينجوا من العذاب ويسعدوا في دار النعيم ، وقوله تعالى { أولئك هم
الغافلون } تقرير لحقيقة وهي أن استمرارهم في الضلال كان نتيجة غفلتهم عن آيات الله
التنزيلية فلا يتدبروها فيعلموا أن الله هو الحق هو الله وحده بما شرع لهم في كتابه
وسنة نبيه . هذا ما دلت عليه الآية الأولى ( 179 ) وأما الآية الثانية في هذا السياق
( 180 ) وهي قوله تعالى { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بأن الأسماء الذين يلحدون في
أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون } فقد أخبر تعالى فيها بأن الأسماء الحسنى له تعالى
خاصة لا يشاركه فيها أحد من خلقه ، وقد اخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها مائة اسم
إلا اسما أي تسعة وتسعون إسماً ووردت مفرقة في القرآن الكريم ، وأمر تعالى عباده أن
يدعوه بها يا الله ، يا رحمن يا ريحم يا رب ، يا حي يا قيوم ، وذلك عند سؤالهم اياه
وطلبهم منه ما لا يقدرون عليه ، كما أمرهم ان يتكروا أهل الزيغ والضلال الذين يلحدون
في أسماء الله فيؤلونها ، أو يعطلونها ، أو يشبهونها ، أمر عباده المؤمنين به يتركوا
هؤلاء له ليجزيهم الجزاء العادل على ما كانوا يقولون ويعملون . لأن جدالهم غير نافع
فيهم ولا مجد للمؤمنين ولا لهم .
هذا ما دلت عليه الآية
أما الثالثة ( 181 ) وهي قوله تعالى { ومن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون } إنه
لما ذكر أنه خلق لجهنم كثيراً من الجن والإِنس ذكر هنا أنه خلق للجنة خلقاً آخر من
الإِنس والجن فذكر صفاتهم التي يستوجبون بها الجنة كما ذكر صفات أهل جهنم التي استوجبوا
بها جهنم ، فقال { وممن خلقنا } من الناس { أمة } كبيرة { يهدون } أنفسهم وغيرهم {
بالحق } الذي هو هدى الله ورسوله وبالحق يعدلون في قضائهم وأحكامهم فينصفون ويعدلون
ولا يجورون ، ومن هذه الأمة كل صالح في أمة الإِسلام يعيش على الكتاب والسنة اعتقاداً
وقولاً وعملاً وحكماً وقضاء وأدباً وخلقاً جعلنا الله منهم وحشرنا في زمرتهم
.
هداية الآيات
من هداية الآيات
:
1- تقرير مبدأ ان السعادة والشقاء سبق بها قلم القضاء والقدر فكل ميسر لما خلق له
.
2- هبوط الآدمي إلى درك أهبط من درك الحيوان ، وذلك عندما يكفر بربه ويعطل حواسه عن
الانتفاع بها ، ويقصر همه على الحياة الدنيا .
3- بيان أن البلاء كامن في الغفلة عن آيات الله والإِعراض عنها
.
4- الأمر بدعاء الله تعالى بأسمائه الحسنى نحو يا رب يا رحمن ، يا عزيز يا جبار
.
5- حرمة تأويل أسماء الله وصفاته وتحريفها كما قال المشركون في الله ، اللات ، وفي
العزيز العزى سموا بها آلهتهم الباطلة ، وهو الإِلحاد الذي توعد الله أهله بالجزاء
عليه .
6- أهل الجنة الذين خلقوا لها هم الذين يهدون بالكتاب والسنة ويقضون بهما
.aisarut tafasir.2/20
{ كَثِيرًا مّنَ الجن والإنس
} هم المطبوع على قلوبهم الذين علم الله أنه لا لطف لهم . وجعلهم في أنهم لا يلقون
أذهانهم إلى معرفة الحقّ ، ولا ينظرون بأعينهم إلى ما خلق الله نظر اعتبار ، ولا يسمعون
ما يتلى عليهم من آيات الله سماع تدبر ، كأنهم عدموا فهم القلوب ، وإبصار العيون واستماع
الآذان . وجعلهم - لإعراقهم في الكفر وشدّة شكائمهم فيه ، وأنه لا يأتي منهم إلاّ أفعال
أهل النار - مخلوقين للنار ، دلالة على توغلهم في الموجبات وتمكنهم فيما يؤهلهم لدخول
النار ومنه كتاب عمر رضي الله عنه إلى خالد بن الوليد : بلغني أن أهل الشام اتخذوا
لك دَلُوكاً عجن بخمر وإني لأظنكم آل المغيرة ذرء النار . ويقال لمن كان عريقاً في
بعض الأمور : ما خلق فلان إلاّ لكذا . والمراد وصف حال اليهود في عظم ما أقدموا عليه
من تكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مع علمهم أنه النبي الموعود . وأنهم من جملة
الكثير الذين لا يكاد الإيمان يتأتى منهم ، كأنهم خلقوا للنار { أُوْلَئِكَ كالانعام
} في عدم الفقه والنظر للاعتبار والاستماع للتدبر { بَلْ هُمْ أَضَلُّ } من الأنعام
عن الفقه والاعتبار والتدبر { أُوْلَئِكَ هُمُ الغافلون } الكاملون في الغفلة . وقيل
: الأنعام تبصر منافعها ومضارّها فتلزم بعض ما تبصره ، وهؤلاء أكثرهم يعلم أنه معاند
فيقدم على النار .AZZAMAKHSYARY.2/314
يقول تعالى مبينا
كثرة الغاوين الضالين، المتبعين إبليس اللعين: { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا } أي: أنشأنا وبثثنا
{ لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ } صارت البهائم أحسن حالة منهم.
{ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا } أي: لا يصل إليها فقه ولا علم، إلا مجرد
قيام الحجة.
{ وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا } ما ينفعهم، بل فقدوا منفعتها وفائدتها.
{ وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا } سماعا يصل معناه إلى قلوبهم.
{ أُولَئِكَ } الذين بهذه الأوصاف القبيحة { كَالأنْعَامِ } أي: البهائم، التي فقدت
العقول، وهؤلاء آثروا ما يفنى على ما يبقى، فسلبوا خاصية العقل.
{ بَلْ هُمْ أَضَلُّ } من البهائم، فإن الأنعام مستعملة فيما خلقت له، ولها أذهان،
تدرك بها، مضرتها من منفعتها، فلذلك كانت أحسن حالا منهم.
{ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ } الذين غفلوا عن أنفع الأشياء، غفلوا عن الإيمان
باللّه وطاعته وذكره.
خلقت لهم الأفئدة
والأسماع والأبصار، لتكون عونا لهم على القيام بأوامر اللّه وحقوقه، فاستعانوا بها
على ضد هذا المقصود.
فهؤلاء حقيقون بأن
يكونوا ممن ذرأ اللّه لجهنم وخلقهم لها، فخلقهم للنار، وبأعمال أهلها يعملون.
وأما من استعمل هذه
الجوارح في عبادة اللّه، وانصبغ قلبه بالإيمان باللّه ومحبته، ولم يغفل عن اللّه، فهؤلاء،
أهل الجنة، وبأعمال أهل الجنة يعملون.ASSA’DY.1/309
أخرج ابن جرير وابن
المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ولقد ذرأنا } قال : خلقنا
.
وأخرج ابن جرير وأبو
الشيخ عن الحسن { ولقد ذرأنا لجهنم } قال : خلقنا لجهنم .
وأخرج ابن جرير وابن
أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم « إن الله لما ذرأ لجهنم من ذرأ ، كان ولد الزنا ممن ذرأ لجهنم
» .
وأخرج الحكيم الترمذي
وابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان وأبو يعلى وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه
عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « خلق الله الجن ثلاثة أصناف
. صنف حيات وعقارب وخشاش الأرض ، وصنف كالريح في الهواء ، وصنف عليهم الحساب والعقاب
. وخلق الله الإِنس ثلاثة أصناف . صنف كالبهائم ، قال الله { لهم قلوب لا يفقهون بها
ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل } وجنس
أجسادهم أجساد بني آدم ، وأرواحهم أرواح الشياطين ، وصنف في ضل الله يوم لا ظل إلا
ظله » .
وأخرج ابن جرير عن
مجاهد في قوله { ولقد ذرأنا لجهنم } قال : لقد خلقنا لجهنم { لهم قلوب لا يفقهون بها
} قال : لا يفقهون شيئاً من أمر الآخرة { ولهم أعين لا يبصرون بها } الهدى { ولهم آذان
لا يسمعون بها } الحق ، ثم جعلهم كالأنعام ، ثم جعلهم شراً من الأنعام فقال { بل هم
أضل } ثم أخبر أنهم الغافلون . والله أعلم .ADDURUL
MANTSUR.4/374
{ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا } أي خلقنا
. وقد تقدّم بيان أصل معناه مستوفى ، وهذه الجملة مقرّرة لمضمون ما قبلها ، { لِجَهَنَّمَ
} أي : للتعذيب بها { كَثِيراً } أي خلقاً كثيراً { مّنَ الجن والإنس } أي من طائفتي
الجنّ والإنس ، جعلهم سبحانه للنار بِعَدْ لِه ، وبعمل أهلها يعملون . وقد علم ما هم
عاملون قبل كونهم ، كما ثبت في الأحاديث الصحيحة ، ثم وصف هؤلاء فقال : { لَهُمْ قُلُوبٌ
لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا } كما يفقه غيرهم بعقولهم . وجملة { لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا
} في محل رفع على أنها صفة لقلوب . وجملة { لَهُمْ قُلُوبٌ } في محل نصب صفة ل { كثيراً
} جعل سبحانه قلوبهم لما كانت غير فاقهة لما فيه نفعهم وإرشادهم ، غير فاقهة مطلقاً
، وإن كانت تفقه في غير ما فيه النفع والرشاد فهو كالعدم ، وهكذا معنى { وَلَهُمْ أَعْيُنٌ
لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ ءاذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا } فإن الذي انتقى
من الأعين هو إبصار ما فيه الهداية بالتفكر والاعتبار ، وإن كانت مبصرة في غير ذلك
، والذي انتقى من الآذان هو سماع المواعظ النافعة ، والشرائع التي اشتملت عليها الكتب
المنزلة . وما جاءت به رسل الله ، وإن كانوا يسمعون غير ذلك . والإشارة بقوله : { أولئك
} إلى هؤلاء المتصفين بهذه الأوصاف كالأنعام في انتفاء انتفاعهم بهذه المشاعر ، ثم
حكم عليهم بأنهم أضلّ منها ، لأنها تدرك بهذه الأمور ما ينفعها ويضرّها ، فينتفع بما
ينفع ، وتجتنب ما يضرّ ، وهؤلاء لا يميزون بين ما ينفع وما يضرّ باعتبار ما طلبه الله
منهم وكلفهم به ، ثم حكم عليهم بالغفلة الكاملة لما هم عليه من عدم التمييز الذي هو
من شأن من له عقل وبصر وسمع .
وقد أخرج ابن جرير
، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، في قوله : { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا } قال
: خلقنا . وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن الحسن في الآية قال خلقنا لجهنم . وأخرج
ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، وابن النجار ، عن عبد الله
بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله لما ذرأ لجهنم من ذرأ كان
ولد الزنا ممن ذرأ لجهنم » وأخرج ابن جرير ، عن مجاهد ، في قوله : { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا
لِجَهَنَّمَ } قال : لقد خلقنا لجهنم { لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا } قال
: لا يفقهون شيئاً من أمور الآخرة { وَلَهُمْ آذانٌ لاَّ يَسمَعُونَ بِهَا } الهدى
{ وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا } الحق ، ثم جعلهم كالأنعام ، ثم جعلهم
شراً من الأنعام ، فقال : { بَلْ هُمْ أَضَلُّ } ثم أخبر أنهم الغافلون
.FATHUL QADIR.3/123
{ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ
كَثِيرًا } يعني : خلقنا لجهنم كثيراً { مّنَ الجن والإنس } فإن قيل : قد قال في آية
أخرى : { وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات : 56 ] فأخبر
أنه خلق الجن والإنس لعبادته . وهاهنا يقول : خلقهم لجهنم . قيل له : قد خلقهم للأمرين
جميعاً منهم من يصلح لجهنم فخلقه لها ، ومنهم من يصلح للعبادة فخلقه لها ، ولأن من
لا يصلح لشيء لا يخلقه لذلك الشيء . ويقال معنى قوله : { إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } يعني
: إلا للأمر والنهي . ويقال : { إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } يعني : إلا لكي يمكنهم أن يعبدوا
، وقد بينت لهم الطريق . ويقال : في هذه الآية تقديم وتأخير . ومعناه : ولقد ذرأنا
جهنم لكثير من الجن والإنس .
ثم وصفهم فقال تعالى
: { لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا } يعني : لا يعقلون بها . الحق كما قال
في آية أخرى : { خَتَمَ الله على قُلُوبِهِمْ وعلى سَمْعِهِمْ وعلى أبصارهم غشاوة وَلَهُمْ
عَذَابٌ عظِيمٌ } [ البقرة : 7 ] ثم قال : { وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا
} يعني : الهدى { وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا } يعني : الهدى
.
ثم ضرب لهم مثلاً
آخر فقال : { أُوْلَئِكَ كالانعام } فشبههم بالأنعام لقلة رغبتهم وتغافلهم عن الحق
. يعني : إنهم كالأنعام في ذهنهم لا في صورهم . لأنه ليس للأنعام إلا الأكل والشرب
، فهي تسمع ولا تعقل ، كذلك الكافر هو غافل عن الأمر والنهي والوعد والوعيد
.
ثم قال : { بَلْ هُمْ
أَضَلُّ } سبيلاً يعني : الكفار أخطأ طريقاً من الأنعام ، لأن الأنعام إذا عرفت أنها
تركت الطريق رجعت إلى الطريق ، والكفار لا يرجعون إلى الطريق . ولأن الأنعام تعرف ربها
، والكفار لا يعرفون ربهم . ويقال : لمَّا نزلت هذه الآية { أُوْلَئِكَ كالانعام }
تضرعت الأنعام إلى ربها . فقالت : يا ربنا شبهت الكفار بنا ونحن لا ننكر وحدانيتك
. فأعذر الله تعالى الأنعام . فقال : { بَلْ هُمْ أَضَلُّ } من الأنعام لأن الأنعام
مطيعة لله تعالى . والكفار غير مطيعين لله تعالى .
ثم قال : { أُوْلَئِكَ
هُمُ الغافلون } يعني : عن أمر الله تعالى وعما ينفعهم . قال الفقيه أبو الليث : حدثنا
أبو جعفر . قال : حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن عبد الله القاري . قال : حدثنا حازم بن
يحيى الحلواني . قال : حدثنا الحسين بن الأسود . قال : حدثنا أبو أسامة عن يزيد بن
سنان عن أبي منيب الحمصي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي الدرداء قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : « خَلَقَ الله الجِنَّ ثَلاَثَةَ أصْنَافٍ صِنْفاً حَيَّاتٍ
وَعَقَارِبَ وَخَشَاشَ الأَرْضِ ، وَصِنْفاً كَالرِّيحِ فِي الهَوَاءِ ، وَصِنْفَاً
عَلَيْهِمُ الثَّوَابُ وَالعِقَابُ ، وَخَلَقَ الله الإنْسَ ثَلاثَةَ أصْنَافٍ صِنْفاً
كَالبَهَائِمِ وَهُمُ الكُفَّارُ ، قال : قال الله تعالى : { لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ
بِهَا } إلى قوله : { أُوْلَئِكَ كالانعام بَلْ هُمْ أَضَلُّ } وَصِنْفاً آخَرَ أَجْسَادُهُم
كَأَجْسَادِ بَنِي آَدَم وَأَرْوَاحُهُم كَأَرْوَاحِ الشَّيَاطِينِ ، وَصِنْفاً فِي
ظِلِّ الله يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلَّهُ »
قوله تعالى : { وَللَّهِ
الاسماء الحسنى فادعوه بِهَا } وذلك أن رجلاً دعا الله في صلاته ، ودعا الرحمن . فقال
أبو جهل : أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون رباً واحداً فما بال هذا يدعو ربين اثنين؟
فأنزل الله تعالى { وَللَّهِ الاسماء الحسنى فادعوه بِهَا } الرحمن الرحيم الملك القدوس
ونحوه . فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الرجل فقال : « ادْعُ الله أَوْ ادْعُ الرحمن
رَغْماً لأَنْفِ المُشْرِكِينَ » ويقال : { وَللَّهِ الاسماء الحسنى } يعني : الصفات
العلى { فادعوه بِهَا } . وروى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال : « إنَّ لله تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْماً مائَةً إلاَّ وَاحِدَةً مَنْ أحْصَاهَا
دَخَلَ الجَنَّةَ وَمِنْ أسْمَائِهِ عَزَّ وَجَلَّ الرحمن الرَّحِيمُ » وقد ذكرنا تفسيرها
ومن أسمائه الأحد وأصله الوحد بمعنى الواحد ، وهو الذي ليس كمثله شيء ، ومنها الصمد
وهو السيد الذي صمد إليه كل شيء أي قصده . ومنها القيوم وهو البالغ في القيام بكل ما
خلق . ومنها الولي يعني : المتولي أمور المؤمنين . ومنها اللطيف وهو الذي يلطف بالخلق
من حيث لا يعلمون ، ولا يقدرون ومنها الودود المحب الشديد المحبة . ومنها الظاهر والباطن
الذي يعلم ما ظهر وما بطن . ومنها البديع الذي ابتدع الخلق على غير مثال . ومنها القدوس
أي ذو البركة . ويقال : الطاهر ومنها الشهيد الذي لا يغيب عنه شيء . ومنها الحنان أي
ذو الرحمة والعطف . ومنها المنان الكثير المنّ على عباده . ومنها الفتاح يعني : الحاكم
. ومنها الديان يعني : المجازي . ومنها الرقيب : يعني الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء
. ومنها ذو القوة المتين يعني الشديد القوة على أمره . ومنها الوكيل الذي يتوكل بالقيام
بجميع ما خلق . ومنها السبوح الذي تنزه عن كل سوء ومنها السلام يعني : الذي سَلِم الخلق
من ظلمه . ومنها المؤمن الذي أمن الخلق من ظلمه . ومنها العزيز أي : المنيع الذي لا
يغلبه شيء . ومنها المهيمن يعني : الشهيد . ومنها الجبار الذي جبر الخلق على ما أراد
. ومنها المتكبر الذي تكبر عن ظلم العباد . ومنها الباري يعني : الخالق وسائر الأسماء
التي ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة رضي الله عنهم . وقال الزجاج
: لا ينبغي لأحد أن يدعوه بما لم يصف به نفسه ، ولم يسم به نفسه ، فيقول : يا جواد
ولا ينبغي له أن يقول : يا سخي ، لأنه لم يسم به نفسه . وكذلك يقول : يا قوي ولا يقول
: يا جلد .
ثم قال : { وَذَرُواْ
الذين يُلْحِدُونَ فِى أَسْمَئِهِ } قرأ حمزة { يُلْحِدُونَ } بنصب الياء والحاء
.
وقرأ الباقون بضم
الياء وكسر الحاء { يُلْحِدُونَ } فمن قرأ بالنصب فمعناه : وذروا الذين يميلون في أسمائه
يعني : يُحَوِّرون ويمارون في أسمائه ويعدلون ، فسموا اللات والعزى . ومن قرأ بالضم
فمعناه : وذروا الذين يجادلون ويمارون في أسمائه . ويقال : إن الله تعالى قد احتج على
الكفار بأربعة أشياء بالخلق . وهو قوله تعالى : { هذا خَلْقُ الله فَأَرُونِى مَاذَا
خَلَقَ الذين مِن دُونِهِ بَلِ الظالمون فِى ضلال مُّبِينٍ } [ لقمان : 11 ] وقال
: { إنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابَاً ولو اجتمعوا
له } [ لقمان : 11 ] وقال : { ياأيها الناس ضُرِبَ مَثَلٌ فاستمعوا لَهُ إِنَّ الذين
تَدْعُونَ مِن دُونِ الله لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ اجتمعوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ
الذباب شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطالب والمطلوب } [ الحج : 73
] والثاني في الملك وهو قوله { وَقَالُواْ اتخذ الله وَلَدًا سبحانه بَل لَّهُ مَا
فِي السماوات والارض كُلٌّ لَّهُ قانتون } [ البقرة : 116 ] .
وقال في الأوثان
{ أَمِ اتخذوا مِن دُونِ الله شُفَعَآءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُواْ لاَ يَمْلِكُونَ شَيْئاً
وَلاَ يَعْقِلُونَ } [ الزمر : 43 ] والثالث في القوة وهو قوله : { يَكَادُ البرق يَخْطَفُ
أبصارهم كُلَّمَآ أَضَآءَ لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ
وَلَوْ شَآءَ الله لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وأبصارهم إِنَّ الله على كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ
} [ البقرة : 20 ] { فَاطِرُ السماوات والارض جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أزواجا
وَمِنَ الانعام أزواجا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السميع
البصير } [ الشورى : 11 ] { وإلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صالحا قَالَ ياقوم اعبدوا الله
مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ الارض واستعمركم فِيهَا فاستغفروه
ثُمَّ توبوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّى قَرِيبٌ مُّجِيبٌ } [ هود : 61 ] { إِنَّ الله هُوَ
الرزاق ذُو القوة المتين } [ الذاريات : 58 ] وقال في الأوثان : { أَلَهُمْ أَرْجُلٌ
يَمْشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ
بِهَآ أَمْ لَهُمْ ءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادعوا شُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ
فَلاَ تُنظِرُونِ } [ الأعراف : 195 ] فوصفهم بالعجز . والرابع بالأسماء فقال { وَللَّهِ
الاسماء الحسنى } وقال في الأوثان { وَذَرُواْ الذين يُلْحِدُونَ فِى أَسْمَئِهِ }
ويقال : إن الكفار أرادوا أن يسموا آلهتهم الله فجرى على لسانهم اللات وقال أهل اللغة
: إنما سمي اللات لأنه كان عنده رجل كان يلت السويق . وأرادوا أن يسموا العزيز فجرى
على لسانهم العزى . وأرادوا أن يسموا منان فجرى على لسانهم مناة . وبقيت تلك الأسماء
للأصنام . وأصل الإلحاد هو الميل ولهذا سمي اللحد لحداً لأنه في ناحية
.
ثم قال { سَيُجْزَوْنَ
مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } يعني : وسيهانون ويعاقبون بما كانوا يعملون من الشرك والإلحاد
في الأسماء .ASSAMARQANDY.2/167
يقول تعالى: { وَلَقَدْ
ذَرَأْنَا } أي: خلقنا وجعلنا { لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ } أي:
هيأناهم لها، وبعمل أهلها يعملون، فإنه تعالى لما أراد أن يخلق الخلائق، علم ما هم
عاملون قبل كونهم، فكتب ذلك عنده في كتاب قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة،
كما ورد في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"إن الله قدر مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان
عرشه على الماء" (1)
وفي صحيح مسلم أيضا،
من حديث عائشة بنت طلحة، عن خالتها عائشة أم المؤمنين، رضي الله عنها، أنها قالت: دعي
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنازة صبي من الأنصار، فقلت: يا رسول الله طوبى له،
عصفور من عصافير الجنة، لم يعمل السوء ولم يدركه. فقال [رسول الله صلى الله عليه وسلم]
(2) أو غير ذلك يا عائشة؟ إن الله خلق الجنة، وخلق لها أهلا وهم في أصلاب آبائهم، وخلق
النار، وخلق لها (3) أهلا وهم في أصلاب آبائهم" (4)
وفي الصحيحين من حديث
ابن مسعود [رضي الله عنه] (5) ثم يبعث إليه الملك، فيؤمر بأربع كلمات، فيكتب: رزقه،
وأجله، وعمله، وشقي أم (6) سعيد".
وتقدم أن الله [تعالى]
(7) لما استخرج ذرية آدم من صلبه وجعلهم فريقين: أصحاب اليمين وأصحاب الشمال، قال:
"هؤلاء للجنة ولا أبالي، وهؤلاء للنار ولا أبالي".
والأحاديث في هذا
كثيرة، ومسألة القدر كبيرة ليس هذا موضع بسطها.
وقوله تعالى: { لَهُمْ
قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ
لا يَسْمَعُونَ بِهَا } يعني: ليس ينتفعون بشيء من هذه الجوارح التي جعلها الله [سببا
للهداية] (8) كما قال تعالى: { وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً
فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ
إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ [ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
] (9) } [الأحقاف:26] وقال تعالى: { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ }
[البقرة:18] هذا في حق المنافقين، وقال في حق الكافرين: { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ
لا يَعْقِلُونَ } [البقرة:171] ولم يكونوا صمًا بكمًا عميًا إلا عن الهدى، كما قال
تعالى: { وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ
لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ } [الأنفال:23] ،
__________
(1) صحيح مسلم برقم (2653).
(2) زيادة من د.
(3) في د، ك، م: "للنار".
(4) صحيح مسلم برقم (2662).
(5) زيادة من أ.
(6) في ك، م، أ: "أو".
(7) زيادة من أ.
(8) زيادة من د، ك، م، أ.
(9) زيادة من أ. وفي هـ: "الآية".IBNU KATSIR.3/513
JAKARTA
20-12-2011
Tidak ada komentar:
Posting Komentar