[مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا اللَّه ]
6- وعن ابن عمر - رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه
صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم قال
:
« " مفاتِيح الغيبِ خمس لا يعلَمها إِلا اللَّه : لا
يعلم ما في غدٍ إِلا اللَّه ، ولا يعلم ما تَغِيض الأرحام إلا اللَّه ، ولا يعلم متى
يأتي المطر أَحد إلا اللَّه ، ولا تدري نفس بأَيِّ أرضٍ تموت إلا اللَّه ، ولا يعلم
متى تقوم الساعة إلا اللَّه تبارك وتعالى » .
رواه البخاريّ ومسلم .
6- رواه البخاري كتاب الإستسقاء (2 / 524) (رقم :
1039) ، والتفسير (8 / 375) (رقم : 4697) ، والتوحيد (13 / 361) (رقم : 7379) ، ولم
أجد الحديث من مسند ابن عمر عند مسلم ، وقد أخرج مسلم (1 / 39) (رقم : 9) نحوه عن أبي
هريرة .
شرح الحديث :
هذا الحديث الشريف رد على من يدَّعي علم
الغيب من الكهنة والسحرة .
قال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري
" (8 / 514) : قال الشيخ أبو محمد بن أبي جَمرَة :
" عبَّر بالمفاتيح لتقريب الأمر على السامع
لأن كل شيِء جعل بينك وبينه حجاب فقد غيّب عنك ، والتوصل إِلى معرفته في العادة من
الباب فإذا أغلق الباب احتيج إِلى المفتاح فإذا كان الشيء الذي لا يطلع على الغيب إلا
بتوصيله لا يعرف موضعه فكيف يعرف المغيب" ا . هـ ملخصا .
قال ابن كثير في تفسير سورة لقمان (3 /
455) :
" قال قتادة : أشياء استأثر اللَّه بهن فلم يطلع عليهن
ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا .
فلا يدري أحد من الناس متى تقوم الساعة
في أي سنة أَو في أي شهر أو ليل أو نهار ، فلا يعلم أحد متى ينزل الغيث ليلا أو نهارا
، ولا يعلم أحد ما في الأرحام ذكر أم أنثى أحمر أو أسود ، وما هو ؟ ولا تدري يا ابن
آدم متى تموت لعلك الميت غدا لعلك المصاب غدا ا . هـ .
قلت : أما من يدَّعي بأن هناك أجهزة تكشف
عن الجنين في بطن أمه هل هو ذكر أم أنثى ؟ فهذا لا يدخل في علم الغيب لأن التوصل إِلى
ذلك كان بواسطة أجهزة فلو قال قائل : أنا أعلم ما في بطن الأم ثم شق بطنها فعلم ما
فيه هل نقول : إِنه علم الغيب ، ثم إِن هذه الأجهزة ليست دقيقة تماما ، بل كثيرا ما
تخطئ ، فكم من حامل قيل لها : إن ما في بطنك ولد فإِذا هو أنثى !!USHUL IMAN.1/48-49
[نزول اللَّه سبحانه وتعالى]
26- وعنه أن رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم
قال :
« ينزِل ربنا تبارك وتعالى كل ليلةٍ إِلى سماءِ الدنيا
حين يبقى ثلث الليلِ الآخِر يقول : من يدعوني فأستجِيب له ، من يسألني فأعطيه ، من
يستغفِرني فأغفر له » .
متفق عليه .
26- رواه البخاري كتاب التهجد (3 / 29) (رقم :
1145) ، وكتاب الدعوات (11 / 128) (رقم : 6321) ، وكتاب التوحيد (13 / 464) (رقم :
7494) ، ومسلم كتاب صلاة المسافرين (1 / 521) (رقم : 758) .
ونزول اللَّه سبحانه وتعالى ثابت وهو نزول
يليق بجلاله وعظمة سلطانه ، من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل .
وللإمام ابن تيمية رحمه اللَّه كتاب مطول
، شرح فيه صفة النزول البينة ، بالأدلّة الشرعيّة والحجج ، فليراجع .1/75
4- باب الإيمان بالقدر
وقولِ اللَّهِ تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ
سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } [الأنبياء :
101] .
وقوله تعالى : { وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ
قَدَرًا مَقْدُورًا } [ الأحزاب : 38]
.
وقوله تعالى : { وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا
تَعْمَلُونَ } [ الصافات : 96]
.
وقوله تعالى : { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ
بِقَدَرٍ } [القمر : 49] .
[متى كان تقدير مقادير الخلق ؟ ]
39- وفي " صحيح مسلم " عن عبد اللَّه بن عمرو
بن العاص - رضي اللَّه عنهما- قال : قال رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم :
« إنّ اللَّه قدّر مقادير الخلائِقِ قبل أنْ يخلق
السماوات والأرض بخمسين »« ألف سنةٍ قال : عرشه على الماء » " .
39- رواه مسلم كتاب القدر (4 / 2044) (رقم : 2653) من
طريق ابن وهب ، أخبرني أبو هانئ الخولاني عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد اللَّه بن
عمرو به .
القدر بفتح الدال المهملة : قال الحافظ
(11 / 477) : قال الكرماني : المراد بالقدر حكم اللَّه . وقالوا- أي : العلماء- : القضاء
هو الحكم الكلي الإجمالي في الأزل ، والقدر جزئيات ذلك الحكم وتفاصيله .
وقال أبو المظفر السمعاني : سبيل معرفة
هذا الباب التوقيف من الكتاب والسنة دون محض القياس والعقل ؛ فمن عدل عن التوقيف فيه
ضل وتاه في بحار الحيرة ولم يبلغ شفاء العين ولا ما يطمئن به القلب ؛ لأن القدر سر
من أسرار اللَّه تعالى اختص العليم الخبير به وضرب دونه الأستار وحجبه عن عقول الخلق
ومعارفهم لما علمه من الحكمة ، فلم يعلمه نبي مرسل ولا ملك مقرب ا هـ .
وقال الحافظ : وأخرج الطبراني بسند حسن
من حديث ابن مسعود رفعه : « إذا ذكر القدر فأمسكوا » (1) قال الشيخ العلامة عبد العزيز
بن عبد اللَّه بن باز رحمه اللَّه
:
وأما الإيمان بالقدر فيتضمن الإيمان بأمور
أربعة :
أولها : أن اللَّه سبحانه قد علم ما كان
وما يكون وعلم أحوال عباده وعلم أرزاقهم وآجالهم وأعمالهم وغير ذلك من شؤونهم ، لا
يخفى عليه من ذلك شيء سبحانه وتعالى ، كما قال سبحانه : { إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ
عَلِيمٌ } ، وقال عزّ وجل : { لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا } .
_________
(1) وهو مخرج في «السلسلة الصحيحة» (رقم : 34) .
وثانيها : كتابته سبحانه لكل ما قدره وقضاه
، كما قال سبحانه : { قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا
كِتَابٌ حَفِيظٌ } ، وقال تعالى : { وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ
} ، وقال تعالى : { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ
إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } .
وثالثها : الإيمان بمشيئته النافذة ؛ فما
شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، كما قال سبحانه : { إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ
} ، وقال عزّ وجل : { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ
فَيَكُونُ } ، وقال سبحانه : { وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ
الْعَالَمِينَ } .
ورابعها : خلقه سبحانه لجميع الموجودات
لا خالق غيره ولا رب سواه ، كما قال سبحانه : { اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } ، وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ
اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ
وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ } .
فالإيمان بالقدر يشمل هذه الأمور الأربعة
عند أهل السنّة والجماعة خلافا لمن أنكر بعض ذلك من أهل البدع ا هـ .
[وجوب العمل وعدم التواكل]
40- وعن علي بن أبي طالب - رضي اللَّه عنه- قال : «
قال رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم :
" ما منكم من أحدٍ إلا وقد كتب مقعده من النّارِ ومقعده
من الجَنَّةِ " قالوا : يا رسول اللَّه! أفلا نتكل على كتابِنا وندع العمل؟! قال :
" اعملوا فكلٌّ ميسّر لما خلِق له ؛ أمّا من كان من
أهل السّعادةِ فسييسّر لِعمل أهل السّعادة ، وأمّا من كان من أهل الشَّقاوةِ ، فسييسّر
لِعمل أهل الشّقاوة ثمّ قرأ : { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى }{ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى
}{ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى }» [ الليل : 6] متّفقٌ عليه .
40- رواه البخاري كتاب الجنائز (3 / 225) (رقم :
1362) ، والتفسير (8 / 709) (رقم : 4948 ، 4949) ، ومسلم كتاب القدر (4 / 2039) (رقم
: 2647) .
قال البغوي (1 / 133) : قال الخطابي : قولهم
: " أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل " : مطالبة منهم بأمر يوجب تعطيل العبودية
وذلك إن إخبار النبي صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم عن سابق الكتاب إِخبار غيب علم اللَّه
سبحانه وتعالى فيهم وهو حجة عليهم ، فرام القوم أن يتخذوه حجة لأنفسهم في ترك العمل
، فأعلمهم النبي صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم أن هاهنا أمرين لا يبطل أحدهما الآخر
: باطن : هو العلة الموجبة في حكم الربوبية ، وظاهر : هو السمة اللازمة في حق العبودية
، وهي إمارة مخيلة غير مفيدة حقيقة العلم ، ويشبه أن يكون- واللَّه أعلم- إنما عوملوا
بهذه المعاملة وتعبدوا بهذا التعبد ليتعلق خوفهم بالباطن المغيب عنهم ورجاؤهم بالظاهر
البادي لهم والخوف والرجاء مدرجتا العبودية ليستكملوا بذلك صفة الإيمان ، ويبين لهم
أن كلا ميسر لما خلق له ، وأن عمله في العاجل دليل مصيره في الآجل ، وتلا قوله سبحانه
وتعالى : { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى } . . . { وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى
} [الليل : 6] وهذه الأمور في حكم الظاهر ، ومن وراء ذلك علم اللَّه عزّ وجل فيهم وهو
الحكيم الخبير لا يسأل عما يفعل وهم يسألون .
واطلب نظيره في أمرين من الرزق المقسوم
مع الأمر بالكسب ومن الأجل المضروب في العمر مع المعالجة بالطب ، فإنك تجد المغيّب
فيهما علة موجبة والظاهر البادي سببا مخيلا، وقد اصطلح الناس خواصهم وعوامهم على أن
الظاهر فيهما لا يترك بالباطن .1/90-96
[كتابة العمل والأجل والرزق وشقي أو سعيد
ونحن في بطون أمهاتنا]
43- وعن عبد اللَّه بن مسعود - رضي اللَّه عنه- قال
: حدثنا رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم وهو الصادق المصدوق :
« إنّ أحدكم يجمع خلْقه في بطنِ أمِّه أربعين يوما
نطفة ، ثمّ يكون علقة مثل ذلك ، ثمّ يكون مضغة مثل ذلك ، ثمّ يبعث اللَّه إليه ملكا
بأربع كلمات : فيكتب عمله وأجله ورِزقه وشقِي أو سعيد ، ثمّ ينفخ فيه الروح ، فوالّذي
لا إله غيره إنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجَنَّة حتّى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعٌ
فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النّار فيدخلها ؛ وإنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل النّار
حتّى ما يكون بينه وبينها إلاّ ذراعٌ فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجَنَّة فيدخلها »
متّفق عليه .
43- رواه البخاري كتاب بدء الخلق (6 / 303) (رقم :
3208) ، والأنبياء (6 / 363) (رقم : 3332) ، والقدر (11 / 477) (رقم : 6594) ، والتوحيد
(13 / 440) (رقم : 7454) ، ومسلم كتاب القدر (4 / 2036) (رقم :2643) .
قال الحافظ في " الفتح " (11
/ 479) :
المراد بالنطفة المني وأصله الماء الصافي
القليل ، والأصل في ذلك إن ماء الرجل إذا لاقى ماء المرأة بالجماع وأراد اللَّه أن
يخلق من ذلك جنينا هيأ أسباب ذلك
.
قال ابن الأثير في " النهاية
" : يجوز أن يريد بالجمع مكث النطفة في الرحم ، أي : تمكث النطفة أربعين يوما
تخمّر فيه حتى تتهيأ للتصوير ثم تخلّق بعد ذلك .
ثم يكون علقة : يكون هنا بمعنى يصير ، ومعناه
أنها تكون بتلك الصفة مدة الأربعين ثم تنقلب إِلى الصفة التي تليها .
العلقة : الدم الجامد الغليظ سمّي بذلك
للرطوبة التي فيه وتعلّقه بما مر به
.
المضغة : قطعة اللحم سميت بذلك لأنها قدر
ما يمضغ الماضغ .
والمراد من كتابة الرزق تقديره قليلا أو
كثيرا وصفته حلالا أو حراما ، وبالأجل : هل هو طويل أو قصير ؟ وبالعمل صالح أو فاسد .
ومعنى شقي أم سعيد : أن الملك يكتب إِحدى
الكلمتين كأن يكتب مثلا أجل هذا الجنين كذا ورزقه كذا وعمله كذا وهو شقي باعتبار ما
يختم له وسعيد باعتبار ما يختم له كما دلّ عليه الخبر .
وفي الحديث حث على القناعة والزجر الشديد
عن الحرص لأن الرزق إذ كان قد سبق تقديره لم يغْنِ التغني في طلبه وإنما شرع الاكتساب
لأنه من جملة الأسباب التي اقتضتها الحكمة في دار الدنيا .
وفيه أن الأعمال سبب دخول الجَنَّة أو النَّار
ولا يعارض ذلك حديث « لن يدخل أحدكم الجَنَّة بعمله » (1) ، لأنه لولا رحمة اللَّه
لعبده لما أدخله الجَنَّة ، لأن العمل بمجرّده ولو تناهى لا يوجب بمجرده دخول الجَنَّة
ولا أن يكون عِوضا لها لأنه ولو وقع على الوجه الذي يحبه اللَّه لا يقاوم نعمة اللَّه
بل جميع العمل لا يوازي نعمة واحدة ، فتبقى سائر نعمه مقتضية لشكرها وهو لم يوفِّها
حق شكرها ، فلو عذبه على هذه الحالة لعذبه وهو غير ظالم ، وإذا رحمه في هذه الحالة
كانت رحمته خيرا من عمله ، وفيه أن من كتب شقيا لا يعلم حاله في الدنيا ، وكذا عكسه
، ولكن ربما يعلم بطريق العلامة المثبتة للظن الغالب ، فنعم ، ويقوى ذلك في حق من اشتهر
له لسان صدق بالخير والصلاح .
وفيه الحثّ على الاستعاذة باللَّه من سوء
الخاتمة .
_________
(1) رواه البخاري ومسلم .1/101-103
JAKARTA 31/5/2013
Tidak ada komentar:
Posting Komentar