الفصل الثالث
معرفة دين الحق ( الإسلام ):
إذا عرفت - أيها العاقل - أن الله - تعالى
- هو ربك الذي خلقك ورزقك ، وأنه الإله الواحد الحق الذي لا شريك له ، وأنه يجب عليك
أن تعبده وحده ، وعرفت أن محمدا رسول الله إليك ، وإلى جميع الناس ، فاعلم أنه لا يصح
إيمانك بالله - تعالى - ورسوله محمد عليه الصلاة والسلام إلا إذا عرفت دين الإسلام
، وآمنت به ، وعملت به ، لأنه الدين الذي رضيه الله - تعالى - ، وأمر به رسله ، وبعث
به خاتمهم ، محمدا صلى الله عليه وسلم ، إلى جميع الناس ، وأوجب عليهم العمل به .
تعريف الإسلام
قال خاتم المرسلين ، ورسول الله إلى الناس
أجمعين : « الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وتُقيم الصلاة
، وتُؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلًا » . متفق عليه .
فالإسلام هو الدين العالمي الذي أمر الله
به جميع الناس ، وآمن به رسل الله ، وأعلنوا إسلامهم لله ، وأعلن الله - تعالى - بأنه
الدين الحق ، وأنه لا يقبل من أحد دينا سواه ، فقال - تعالى - : { إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ
اللَّهِ الْإِسْلَامُ } . [ سورة آل عمران ، الآية : 19 ] ، وقال الله - تعالى - :
{ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ
مِنَ الْخَاسِرِينَ } . [ سورة آل عمران ، الآية : 85 ] .
المعنى الإجمالي للآيتين : يخبر الله -
تعالى - أن الدين لديه الإسلام فقط ، وفي الآية الأخرى أخبر أنه لن يقبل من أحد دينا
غير الإسلام ، وأن السعداء بعد الموت هم المسلمون فقط ، وأن الذين يموتون على غير الإسلام
خاسرون في الدار الآخرة ، ويُعذبون في النار .
ولهذا أعلن جميع الأنبياء إسلامهم لله ،
وأعلنوا براءتهم ممن لا يسلم ، فمن أراد من اليهود والنصارى النجاة والسعادة فليدخل
في الإسلام ، وليتبع رسول الإسلام محمدا عليه الصلاة والسلام ، حتى يكون تابعا حقًّا
لموسى وعيسى ، عليهما الصلاة والسلام ، لأن موسى وعيسى ومحمدا وجميع رسل الله مسلمون
، دعوا جميعا إلى الإسلام ؛ لأنه دين الله الذي بعثهم به ، ولا يصح لأحد ممن وُجد بعد
بعثة خاتم المرسلين محمد - عليه الصلاة والسلام - إلى نهاية الدنيا ، لا يصح له أن
يسمي نفسه مسلما لله ، ولا يقبل الله منه هذا الادعاء إلا إذا آمن بمحمد رسولا من عند
الله ، واتبعه ، وعمل بالقرآن الذي أنزله الله عليه ، قال الله - تعالى - في القرآن
العظيم : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ
وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } . [ سورة آل عمران ، الآية
: 31 ] .
المعنى الإجمالي للآية : يأمر الله رسوله
محمدا أن يقول لمن يدعي محبة الله : إن كنتم تحبون الله حقًّا فاتبعوني يحُببكم الله
، فإن الله لا يُحبكم ولا يغفر لكم ذنوبكم ، إلا إذا آمنتم برسوله محمد واتبعتموه .
وهذا الإسلام الذي بعث الله به رسوله محمدا
صلى الله عليه وسلم إلى الناس جميعا هو الإسلام الكامل الشامل السمح ، الذي كمّله الله
ورضيه لعباده دينا لا يقبل منهم دينا غيره ، وهو الذي بشر به الأنبياء وآمنوا به ،
قال الله - تعالى - في القرآن العظيم : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ
عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } . [ سورة المائدة ، الآية
: 3 ] .
المعنى الإجمالي : يخبر الله - تعالى -
في هذه الآية الكريمة التي أنزلها على خاتم المرسلين محمد عليه الصلاة والسلام ، وهو
واقف مع المسلمين بعرفات بمكة في حجة الوداع ، يناجون الله ويدعونه ، وكان ذلك في آخر
حياة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، بعدما نصره الله ، وانتشر الإسلام ، وتكامل
نزول القرآن .
يخبر الله - سبحانه - أنه أكمل للمسلمين
دينهم ، وأتم عليهم نعمته ببعثة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، وإنزال القرآن العظيم
عليه ، ويخبر أنه رضي لهم الإسلام دينا ، لا يسخطه أبدا ، ولا يقبل من أحد دينا سواه
أبدا .
ويُخبر - تعالى - أن الإسلام الذي بعث به
رسوله محمدا إلى الناس جميعا هو الدين الكامل الشامل الصالح لكل زمان ومكان وأمة ،
فهو دين العلم واليسر والعدالة والخير ، وهو المنهاج الواضح الكامل القويم لشتى مجالات
الحياة ، فهو دين ودولة ؛ فيه المنهاج الحق للحكم والقضاء والسياسة والاجتماع والاقتصاد
، ولكل ما يحتاجه البشر في حياتهم الدنيا ، وهو الذي فيه سعادتهم في الحياة الآخرة
بعد الموت .DINUL HAQ.1/31-35
ومن أنواع العبادة : الاستغاثة والاستعانة
والاستعاذة :
فلا يُستغاثُ ولا يُستعان ولا يُستعاذ إلا
بالله وحده قال الله - تعالى - في القرآن الكريم : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ
نَسْتَعِينُ } . [ سورة الفاتحة ، الآية : 5 ] ، وقال الله - تعالى - : { قُلْ أَعُوذُ
بِرَبِّ الْفَلَقِ }{ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ } . [ سورة الفلق ، الآيتان : 1 ، 2 ]
، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : « إنه لا يُستغاث بي وإنما يُستغاث بالله » حديث
صحيح ، رواه الطبراني ، وقال صلى الله عليه وسلم : « إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت
فاستعن بالله » حديث صحيح ، رواه الترمذي .
والإنسان الحي الحاضر يصحّ أن يُستغاث به
، ويُستعان به في الشيء الذي يقدر عليه فقط ، أما الاستعاذة فلا يستعاذ إلا بالله وحده
، والميت والغائب لا يُستغاث به ، ولا يستعان به البتة ؛ لأنه لا يملك شيئا ، ولو كان
نبيًّا أو وليًّا أو ملكا .
والغيب لا يعلمه إلا الله - تعالى - ، فمن
ادعى أنه يعلم الغيب فهو كافر يجب تكذيبه ، ولو تكهن بشيء فوقع فهو من باب الموافقة
، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من أتى كاهنا أو عرَّافا فصدقه بما يقول فقد
كفر بما أنزل على محمد » رواه الإمام أحمد والحاكم .
ومن العبادة : التوكل والرجاء والخشوع
: فلا يتوكل الإنسان إلا على الله ، ولا يرجو إلا الله ، ولا يخشع إلا لله وحده .
ومما يؤسف له أن كثيرا من المنتسبين للإسلام
يشركون بالله ، فيدعون غيره من الأحياء المعظمين ، ومن أهل القبور ، ويطوفون بقبورهم
، ويطلبون منهم حوائجهم ، وهذا عبادة لغير الله ، فاعلها ليس مسلما وإن ادّعى الإسلام
، وقال لا إله إلا الله محمد رسول الله ، وصلى وصام وحج البيت ، قال الله - تعالى
- : { وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ
لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } . [ سورة الزمر ، الآية
65 ] .
وقال الله : { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ
فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ
مِنْ أَنْصَارٍ } . [ سورة المائدة ، الآية : 72 ] .
وأمر الله - تعالى - رسوله محمدا صلى الله
عليه وسلم أن يقول للناس : { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ
أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ
عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } . [ سورة الكهف ، الآية
: 110 ] .
وهؤلاء الجهَّال غرَّهم علماء السوء والضلال
الذين عرفوا بعض الفروع ، وجهلوا التوحيد الذي هو أساس الدين ، فصاروا يدعون إلى الشرك
، جهلًا منهم بمعناه باسم الشفاعة والوسيلة ، وحجتهم في ذلك التأويلات الفاسدة لبعض
النصوص والأحاديث المكذوبة قديما وحديثا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والحكايات
وأحلام المنام التي نسجها لهم الشيطان ، وما شابه ذلك من الضلالات التي جمعوها في كتبهم
، ليؤيدوا بها عبادتهم لغير الله اتباعا للشيطان وللهوى ، وتقليدا أعمى للآباء والأجداد
، كحال المشركين الأولين .
والوسيلة التي أمرنا الله أن نبتغيها في
قوله - عز وجل - : { وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ } . [ سورة المائدة ، الآية
: 35 ] هي الأعمال الصالحة من توحيد الله والصلاة والصدقة والصيام والحج والجهاد ،
والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وصلة الرحم ، ونحو ذلك ، أما دعاء الأموات والاستغاثة
بهم عند الشدائد والكربات فهذا عبادة لهم من دون الله .
وشفاعة الأنبياء والأولياء وغيرهم من المسلمين
الذين يأذن الله لهم في الشفاعة حق نؤمن بها ، ولكنها لا تُطلب من الأموات ؛ لأنها
حق لله لا تحصل لأحد إلا بإذنه - تعالى - فيطلبها الموحد لله من الله - تعالى - قائلًا
: " اللهم شفع فيَّ رسولك وعبادك الصالحين " ، ولا يقول : يا فلان اشفع لي
لأنه ميت ، والميت لا يطلب منه شيء أبدا ، قال الله - تعالى - : { قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ
جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } . [
سورة الزمر ، الآية : 44 ] .
ومن البدع المحرمة المخالفة للإسلام والتي
نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة في الصحيحين والسنن : اتخاذ
المساجد والسرج على القبور ، والبناء عليها ، وتجصيصهما والكتابة عليها ، وإلقاء الستور
عليها ، والصلاة في المقبرة ، كل هذا نهى عنه الرسول الكريم ، صلى الله عليه وسلم ؛
لأنه من أعظم أسباب عبادة أصحابها
.
وبهذا يتبين أن من الشرك بالله ما يفعله
الجهال عند بعض القبور في كثير من البلدان ، مثل قبر البدوي والسيدة زينب في مصر ،
وقبر الجيلاني في العراق ، والقبور المنسوبة لآل البيت - رضي الله عنهم - في النجف
وكربلاء في العراق ، وقبور أخرى في كثير من البلدان من الطواف حولها ، وطلب الحوائج
من أهلها ، واعتقاد النفع والضرّ فيهم
.
ويتبين أن هؤلاء بفعلهم هذا مشركون ضالون
، وإن ادّعوا الإسلام وصلّوا وصاموا وحجوا البيت ، ونطقوا بلا إله إلا الله محمد رسول
الله ؛ لأن الناطق بلا إله إلا الله محمد رسول الله لا يعتبر موحدا لله حتى يعرف معناها
، ويعمل به كما تقدم بيان ذلك ، أما غير المسلم فإنه يدخل في الإسلام ابتداءً بنطقه
بها ، ويسمى مسلما حتى يتبين منه ما ينافيها من بقائه على الشرك كهؤلاء الجهال ، أو
إنكاره لشيء من فرائض الإسلام بعد بيانها له ، أو إيمانه بدين يُخالف دين الإسلام ،
والأنبياء والأولياء (1) بريئون ممن يدعوهم ويستغيث بهم ؛ لأن الله - تعالى - أرسل
رسله لدعوة الناس إلى عبادته وحده ، وترك عبادة من سواه نبيًّا أو وليًّا أو غيرهما .
ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم ، والأولياء
المقتدين به ليست في عبادتهم ؛ لأن عبادتهم عداوة لهم ، وإنما محبتهم في الاقتداء بهم
والسير على طريقتهم ، والمسلم الحقيقي يحب الأنبياء والأولياء ، ولكنه لا يعبدهم ،
ونحن نؤمن بأن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم واجبة علينا فوق محبة النفس والأهل والولد
والناس أجمعين .
_________
(1) أولياء الله هم الموحدون لله المطيعون له ، المتبعون
لرسوله صلى الله عليه وسلم ، منهم من يعرف بسبب علمه وجهاده ، ومنهم من لا يعرف ، والمعروف
منهم لا يرضى أن يقدسه الناس ، والأولياء حقًّا لا يدعون أنهم أولياء بل يرون أنهم
مقصرون ، وليس لهم لباس مخصوص أو هيئة مخصوصة إلا التأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم
في ذلك ، وكل مسلم موحد لله متبع لرسوله فيه من الولاية لله بقدر صلاحه وطاعته ، وبهذا
يتبين أن الذين يدعون أنهم أولياء لله ، ويلبسون لباسا خاصًّا لكي يعظمهم الناس ويقدسوهم
، يتبين أنهم ليسوا أولياء لله ولكنهم كذَّابون .IDEM.1/40-42
JAKARTA 31/5/2013
Tidak ada komentar:
Posting Komentar