المبحث الثالث :
حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا أشد الحرص على أمته ؛ لتكون عزيزة منيعة محققة لتوحيد الله عز وجل ، مجانبة لكل الوسائل والأسباب المفضية لما يضاده ويناقضه ، قال الله تعالى : { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } (التوبة : 128) .
وقد أكثر صلى الله عليه وسلم في النهي عن الشرك وحذر وأنذر وأبدأ وأعاد وخص وعم في حماية الحنيفية السمحة ملة إبراهيم التي بعث بها من كل ما قد يشوبها من الأقوال والأعمال التي يضمحل معها التوحيد أو ينقص ، وهذا كثير في السنة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم ، فأقام الحجة ، وأزال الشبهة ، وقطع المعذرة ، وأبان السبيل .
وفي المطالب التالية عرض يتبين من خلاله حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد وسده كل طريق يفضي إلى الشرك والباطل .
المطلب الأول : الرقى .
ب- حكمها : الجواز ، ومن الأدلة على ذلك ما يلي :
فعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال : « كنا نرقي في الجاهلية فقلنا : يا رسول الله كيف ترى في ذلك ؟ فقال : اعرضوا علي رقاكم ، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك » ، رواه مسلم (1) .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : « رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرقية من العين (2) والحمة (3) والنملة » (4) " ، رواه مسلم (5) .
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل » ، رواه مسلم (6) .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى منا إنسان مسحه بيمينه ثم قال : (أذهب الباس رب الناس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما) » ، رواه البخاري ومسلم (7) .
ج- شروطها : ولجوازها وصحتها شروط ثلاثة :
الأول : أن لا يعتقد أنها تنفع لذاتها دون الله ، فإن اعتقد أنها تنفع بذاتها من دون الله فهو محرم ، بل هو شرك ، بل يعتقد أنها سبب لا تنفع إلا بإذن الله .
الثاني : أن لا تكون بما يخالف الشرع كما إذا كانت متضمنة دعاء غير الله أو استغاثة بالجن وما أشبه ذلك ، فإنها محرمة ، بل شرك .
_________
(1) صحيح مسلم برقم (2200) .
(2) «العين» إصابة العائن غيره بعينه بقدر الله .
(3) «الحمة» بحاء مهملة مضمومة ثم ميم مخففة : وهي السم ، ومعناه : أذن في الرقية من كل ذات سم ، مثل لدغة الثعبان ، أو العقرب أو نحوهما .
(4) «النملة» بفتح النون وإسكان الميم : قروح تخرج من الجنب .
(5) صحيح مسلم برقم (2196) .
(6) صحيح مسلم برقم (2199) .
(7) صحيح البخاري برقم (5743) ، وصحيح مسلم برقم (2191) .
الثالث : أن تكون مفهومة معلومة ، فإن كانت من جنس الطلاسم والشعوذة فإنها لا تجوز .
وقد سئل الإمام مالك رحمه الله : أيرقي الرجل ويسترقي ؟ فقال : " لا بأس بذلك ، بالكلام الطيب " .
د- الرقية الممنوعة : كل رقية لم تتوفر فيها الشروط المتقدمة فإنها محرمة ممنوعة ، كأن يعتقد الراقي أو المرقي أنها تنفع وتؤثر بذاتها ، أو تكون مشتملة على ألفاظ شركية وتوسلات كفرية وألفاظ بدعية ، ونحو ذلك ، أو تكون بألفاظ غير مفهومة كالطلاسم ونحوها .IDEM. 1/43-45(10/1/2014)
Tidak ada komentar:
Posting Komentar