الشفاعة في اللغة : الوسيلة والطلب . وفي العرف : سؤال الخير للغير .
والشفاعة عند اللهّ : سؤال الله التجاوز عن الذنوب والآثام للغير .
وحقيقتها أن الله تعالى بلطفه وكرمه يأذن يوم القيامة لبعض الصالحين من خلقه من الملائكة والمرسلين والمؤمنين أن يشفعوا عنده في بعض أصحاب الذنوب من أهل التوحيد إظهارًا لكرامة الشافعين عنده ورحمة بالمشفوع فيهم .
ولا تصح الشفاعة عند الله تعالى إلا بشرطين :
أحدهما : إذن الله تعالى للشافع أن يشفع ، وقد دل على هذا الشرط قوله تعالى : { مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ } (البقَرة : 255) . وقوله تعالى : { وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } (سبأ : 23) .
الثاني : رضا الله عن المشفوع له أن يشفع فيه ، وقد دل على هذا الشرط قوله تعالى : { وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى } (الأنبياء : 28) . وقد دلت النصوص أن الله لا يرضى أن يشفع إلا في أهل التوحيد لما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم : « لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئًا » (1) . وقال تعالى في الكفار : { فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ } (المدثر : 48) .
وقد دلت الأدلة من الكتاب والسنة على إثبات الشفاعة عند الله يوم القيامة . أما الكتاب فقد تقدم ذكر بعضها ، وأما من السنة فالأحاديث في إثبات الشفاعة كثيرة منها حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم قال : ( . . « فيقول الله تبارك وتعالى شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قومًا لم يعملوا خيرًا قط » (2) .
_________
(1) صحيح مسلم برقم (199) .
(2) رواه الإمام أحمد في المسند 3 / 94 ، وعبد الرزاق في المصنف 11 / 410 برقم (20857) .
والأحاديث في إثبات الشفاعة كثيرة جدًّا وقد صرح الأئمة المحققون بتواترها واشتهارها في كتب الصحاح والمسانيد . ففي الصحيحين : « يُخرج من النار من كان في قلبه حبة من خردل من إيمان » (1) .
أقسام الشفاعة :
والشفاعة تنقسم من حيث القبول والرد إلى قسمين : مردودة وهي ما فقدت أحد شروط الشفاعة السابقة ، ومقبولة وهي ما تحققت فيها شروط الشفاعة . وقد ثبت لنبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم منها ثمانية أنواع ، وهي :
1 - الشفاعة العظمى وهي شفاعته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم في أهل الموقف أن يقضي الله بينهم وهي المقام المحمود وهذه الشفاعة مما اختص بها نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم على غيره من الرسل صلوات الله عليهم أجمعين .
2 - شفاعته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم في قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم فيشفع فيهم أن يدخلوا الجنة .
3 - شفاعته في أقوام استحقوا النار أن لا يدخلوها .
4 - شفاعته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم رفع درجات أهل الجنة في الجنة .
5 - شفاعته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم في أقوام أن يدخلوا الجنة بغير حساب .
_________
(1) صحيح البخاري برقم (7439) ، في حديث طويل ، وصحيح مسلم برقم (184) .
6 - شفاعته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم في تخفيف العذاب عمن كان يستحقه كشفاعته في عمه أبي طالب .
7 - شفاعته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم في أهل الجنة أن يؤذن لهم بدخول الجنة .
8 - شفاعته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم في أهل الكبائر من أمته ممن دخل النار أن يخرج منها .
وقد دلت النصوص الصحيحة على هذه الأنواع كلها وهي مبسوطة في مواضعها من كتب السنة والاعتقاد . وهذه الأنواع منها ما هو خاص بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم كالشفاعة العظمى وشفاعته في عمه أبي طالب وشفاعته في أهل الجنة أن يدخلوها ومنها ما يشاركه فيها غيره من الأنبياء والصالحين كالشفاعة في أهل الكبائر وغيرها من الأنواع الأخرى على اختلاف بين أهل العلم في اختصاصه ببعضها من عدمه ، والله تعالى أعلم .USHUL..1/320-323(10/1/2014)
Tidak ada komentar:
Posting Komentar