MACAMNYA IBADAH
المطلب الثَاني : ذكر بعض أنواع العبادة .
العبادة أنواعها كثيرة ، فكل عمل صالح يحبه
الله ويرضاه قولي أو فعلي ظاهر أو باطن فهو نوع من أنواعها وفرد من أفرادها ، وفيما
يلي ذكر بعض الأمثلة على ذلك :
1 - فمن أنواع العبادة : الدعاء ، بنوعيه دعاء المسألة ، ودعاء العبادة .
قال الله تعالى : { فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ
لَهُ الدِّينَ } (غافر : 14) ، وقال تعالى : { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا
تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا } (الجن : 18) ، وقال تعالى : { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ
يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ
عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ }{ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً
وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ } (الأحقاف : 5- 6) .
فمن دعا غير الله عز وجل بشيء لا يقدر عليه
إلا الله فهو مشرك كافر سواء كان المدعو حيا أو ميتا ، ومن دعا حيا . بما يقدر عليه
مثل أن يقول : يا فلان أطعمني ، أو يا فلان اسقني ، ونحو ذلك فلا شيء عليه ، ومن دعا
ميتا أو غائبا . بمثل هذا فإنه مشرك ؛ لأن الميت والغائب لا يمكن أن يقوم . بمثل هذا .
والدعاء نوعان : دعاء المسألة ودعاء العبادة .
فدعاء المسألة ، هو سؤال الله من خيري الدنيا
والآخرة ، ودعاء العبادة يدخل فيه كل القربات الظاهرة والباطنة ؛ لأن المتعبد لله طالب
بلسان مقاله ولسان حاله من ربه قبول تلك العبادة والإثابة عليها .
وكل ما ورد في القرآن من الأمر بالدعاء
والنهي عن دعاء غير الله والثناء على الداعين يتناول دعاء المسألة ودعاء العبادة .
2 ، 3
، 4 - ومن أنواع العبادة : المحبة والخوف والرجاء ، وقد
تقدم الكلام عليها وبيان أنها أركان للعبادة .
5 - ومن أنواعها : التوكل ، وهو الاعتماد على الشيء .
والتوكل على الله : هو صدق تفويض الأمر
إلى الله تعالى اعتمادا عليه وثقة به مع مباشرة ما شرع وأباح من الأسباب لتحصيل المنافع
ودفع المضار ، قال الله تعالى : { وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
} (المائدة : 23) ، وقال تعالى : { وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ
} (الطلاق : 3) .
6
، 7 ، 8- ومن أنواع العبادة : الرغبة والرهبة والخشوع .
فأما الرغبة : فمحبة الوصول إلى الشيء المحبوب
، والرهبة : الخوف المثمر للهرب من المخوف ، والخشوع : الذل والخضوع لعظمة الله بحيث
يستسلم لقضائه الكوني والشرعي ، قال الله تعالى في ذكر هذه الأنواع الثلاثة من العبادة
: { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا
وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ } (الأنبياء : 90) .
9 - ومن أنواعها : الخشية ، وهي الخوف المبني على العلم بعظمة من يخشاه وكمال
سلطانه ، قال الله تعالى : { فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي } (البقرة : 150) .
{ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ } (المائدة : 3) . 10- ومنها الإنابة
، وهي الرجوع إلى الله تعالى بالقيام بطاعته واجتناب معصيته ، قال الله تعالى : { وَأَنِيبُوا
إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ } (الزمر : 54) .
11 - ومنها : الاستعانة ، وهي طلب العون من الله في تحقيق أمور الدين والدنيا
، قال الله تعالى : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } ، وقال صلى الله
عليه وسلم في وصيته لابن عباس : « إذا استعنت فاستعن بالله » (1) .
_________
(1) سنن الترمذي (2516) ، ومسند أحمد (1 / 307) ، وقد حسن الحديث الترمذي
وصححه الحاكم .
12 - ومنها : الاستعاذة ، وهي طلب الإعاذة والحماية من المكروه ، قال الله
تعالى : { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ }{ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ } وقال تعالى
{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ }{ مَلِكِ النَّاسِ }{ إِلَهِ النَّاسِ }{ مِنْ شَرِّ
الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ } .
13 - ومنها الاستغاثة ، وهو طلب الغوث ، وهو الإنقاذ من الشدة والهلاك ، قال
الله تعالى : { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ } (الأنفال : 9) .
14 - ومنها الذبح ، وهو إزهاق الروح بإراقة الدم على وجه الخصوص تقربا إلى
الله ، قال الله تعالى : { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ
رَبِّ الْعَالَمِينَ } (الأنعام : 162) ، وقال تعالى : { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ
} (الكوثر : 2) .
15 - ومنها النذر ، وهو إلزام المرء نفسه بشيء ما ، أو طاعة لله غير واجبة
، قال الله تعالى : { يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا
} (الإنسان : 7) .
فهذه بعض الأمثلة على أنواع العبادة ، وجميع
ذلك حق لله وحده لا يجوز صرف شيء منه لغير الله .
والعبادة بحسب ما تقوم به من الأعضاء على
ثلاثة أقسام :
القسم الأول : عبادات القلب ، كالمحبة والخوف
والرجاء والإنابة والخشية والرهبة والتوكل ونحو ذلك .
القسم الثاني : عبادات اللسان ، كالحمد
والتهليل والتسبيح والاستغفار وتلاوة القرآن والدعاء ونحو ذلك .
القسم الثالث : عبادات الجوارح ، كالصلاة
والصيام والزكاة والحج والصدقة والجهاد ، ونحو ذلك .
المطلب السادس : التوسل .
أ- تعريفه : التوسل مأخوذ في اللغة من الوسيلة
، والوسيلة والوصيلة معناهما متقارب ، فالتوسل هو التوصل إلى المراد والسعي في تحقيقه .
وفي الشرع يراد به التوصل إلى رضوان الله
والجنة ؛ بفعل ما شرعه وترك ما نهي عنه .
ب- معنى الوسيلة في القرآن الكريم :
وردت لفظة " الوسيلة " في القرآن
الكريم في موطنين :
1 - قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا
إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (المائدة
: 35) .
2 - قوله تعالى : { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ
الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ
عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا } (الإسراء : 57) .
والمراد بالوسيلة في الآيتين ، أي : القربة
إلى الله بالعمل بما يرضيه ، فقد نقل الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره للآية الأولى
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن معنى الوسيلة فيها القربة ، ونقل مثل ذلك عن مجاهد وأبي
وائل والحسن البصري وعبد الله بن كثير والسدي وابن زيد وغير واحد (1) .
_________
(1) تفسير ابن كثير (2 / 50) .
وأما الآية الثانية فقد بين الصحابي الجليل
عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مناسبة نزولها التي توضح معناها فقال : " نزلت
في نفر من العرب كانوا يعبدون نفرا من الجن ، فأسلم الجنيون ، والإنس الذين يعبدونهم
لا يشعرون " (1) .
وهذا صريح في أن المراد بالوسيلة ما يتقرب
به إلى الله تعالى من الأعمال الصالحة والعبادات الجليلة ، ولذلك قال : { يَبْتَغُونَ
إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ } أي يطلبون ما يتقربون به إلى الله وينالون به مرضاته
من الأعمال الصالحة المقربة إليه .
ج- أقسام التوسل :
ينقسم التوسل إلى قسمين : توسل مشروع ،
وتوسل ممنوع .
1 - التوسل المشروع : هو التوسل إلى الله بالوسيلة الصحيحة المشروعة ، والطريق
الصحيح لمعرفة ذلك هو الرجوع إلى الكتاب والسنة ومعرفة ما ورد فيهما عنها ، فما دل
الكتاب والسنة على أنه وسيلة مشروعة فهو من التوسل المشروع ، وما سوى ذلك فإنه توسل
ممنوع .
والتوسل المشروع يندرج تحته ثلاثة أنواع :
_________
(1) صحيح مسلم برقم (3030) . وصحيح البخاري رقم (4714) .
الأول : التوسل إلى الله تعالى باسم من
أسمائه الحسنى أو صفة من صفاته العظيمة ، كأن يقول المسلم في دعائه : اللهم إني أسألك
بأنك الرحمن الرحيم أن تعافيني ، أو يقول : أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر
لي وترحمني ، ونحو ذلك .
ودليل مشروعية هذا التوسل قوله تعالى :
{ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } (الأعراف : 180) .
الثاني : التوسل إلى الله تعالى بعمل صالح
قام به العبد ، كأن يقول : اللهم بإيماني بك ، ومحبتي لك ، واتباعي لرسولك اغفر لي
، أو يقول : اللهم إني أسألك بحبي لنبيك محمد صلى الله عليه وسلم وإيماني به أن تفرج
عني ، أو أن يذكر الداعي عملا صالحا ذا بال قام به فيتوسل به إلى ربه ، كما في قصة
أصحاب الغار الثلاثة التي سيرد ذكرها .
ويدل على مشروعيته قوله تعالى : { الَّذِينَ
يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ
النَّارِ } (آل عمران : 16) ، وقوله تعالى : { رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا
الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } (آل عمران : 53) .
2 - التوسل الممنوع : هو التوسل إلى الله تعالى بما لم يثبت في الشريعة أنه
وسيلة ، وهو أنواع بعضها أشد خطورة من بعض ، منها :
1 - التوسل إلى الله تعالى بدعاء الموتى والغائبين والاستغاثة بهم وسؤالهم
قضاء الحاجات وتفريج الكربات ونحو ذلك ، فهذا من الشرك الأكبر الناقل من الملة .
2 - التوسل إلى الله بفعل العبادات عند القبور والأضرحة بدعاء الله عندها
، والبناء عليها ، ووضع القناديل والستور ونحو ذلك ، وهذا من الشرك الأصغر المنافي
لكمال التوحيد ، وهو ذريعة مفضية إلى الشرك الأكبر .
_________
(1) صحيح البخاري برقم (5705) ، وصحيح مسلم برقم (218) .
1 - حديث : « توسلوا بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم » ، أو « إذا سألتم الله
فاسألوه بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم » ، وهو حديث باطل لم يروه أحد من أهل العلم
، ولا هو في شيء من كتب الحديث .
2 - حديث : « إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأهل القبور » ، أو « فاستغيثوا بأهل
القبور » ، وهو حديث مكذوب مفترى على النبي صلى الله عليه وسلم باتفاق العلماء .
3 - حديث : « لو أحسن أحدكم ظنه بحجر لنفعه » ، وهو حديث باطل مناقض لدين
الإسلام ، وضعه بعض المشركين .
4 - حديث : « لما اقترف آدم الخطيئة قال : يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت
لي ، فقال : يا آدم وكيف عرفت محمدا ولم أخلقه ؟ قال : يا رب لما خلقتني بيدك ونفخت
في من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا : لا إله إلا الله محمد رسول الله
، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك ، فقال : غفرت لك ولولا محمد ما خلقتك
» (1) ، وهو حديث باطل لا أصل له ، ومثله حديث : « لولاك ما خلقت الأفلاك » .
فمثل هذه الأحاديث المكذوبة والروايات المختلقة
الملفقة لا يجوز لمسلم أن يلتفت إليها فضلا عن أن يحتج بها ويعتمدها في دينه .
_________
(1) سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني ج 1 / 88 ح 25 .
الثاني : أحاديث صحيحة ثابتة عن النبي صلى
الله عليه وسلم يسيء هؤلاء فهمها ويحرفونا عن مرادها ومدلولها ، ومن ذلك :
1 - ما ثبت في الصحيح : « أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقى
بالعباس بن عبد المطلب ، فقال : اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا ، وإنا نتوسل
إليك بعم نبينا فاسقنا ، قال : فيسقون » (1) .
ففهموا من هذا الحديث أن توسل عمر رضي الله
عنه إنما كان بجاه العباس رضي الله عنه ومكانته عند الله عز وجل ، وأن المراد بقوله
: « كنا نتوسل إليك بنبينا [أي بجاهه] فتسقينا ، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا » [أي بجاهه] .
_________
(1) صحيح البخاري برقم (1010) .
2 - حديث عثمان بن حنيف : « أن رجلا ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال : ادع الله أن يعافيني ، قال : إن شئت دعوت وإن شئت صبرت فهو خير لك ، قال : فادعه
، قال : فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء : اللهم إني أسألك وأتوجه إليك
بنبيك محمد نبي الرحمة ، إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى لي ، اللهم فشفعه
في » ، رواه الترمذي وأحمد وقال البيهقي إسناده صحيح (1) .
ففهموا من الحديث أنه يدل على جواز التوسل
بجاه النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره من الصالحين ، وليس في الحديث ما يشهد لذلك
، فإن الأعمى قد طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له بأن يرد الله عليه بصره
، فقال له : « إن شئت صبرت وإن شئت دعوت » ، فقال : فادعه ، إلى غير ذلك من الألفاظ
الواردة في الحديث المصرحة بأن هذا توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لا بذاته أو
جاهه ؛ ولذا ذكر أهل العلم هذا الحديث من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه المستجاب
، فإنه صلى الله عليه وسلم ببركة دعائه لهذا الأعمى أعاد الله عليه بصره ولهذا أورده
البيهقي في دلائل النبوة (2) .
_________
(1) سنن الترمذي برقم (3578) ، ومسند أحمد (4 / 138) .
(2) دلائل النبوة للبيهقي (6 / 167) .
وأما الآن وبعد موت النبي صلى الله عليه
وسلم فإن مثل هذا لا يمكن أن يكون لتعذر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأحد بعد الموت
، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : « إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث :
صدقة جارية أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له » ، رواه مسلم (1) .
والدعاء من الأعمال الصالحة التي تنقطع
بالموت .
وعلى كل فإن جميع ما يتعلق به هؤلاء لا
حجة فيه ؛ إما لعدم صحته ، أو لعدم دلالته على ما ذهبوا إليه .
_________
(1) صحيح مسلم برقم (1631) .ushulul iman
Jakarta 13-9-2012
Tidak ada komentar:
Posting Komentar