KAJIAN AL-FATIHAH
{ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) }
سورة الفاتحة سميت هذه السورة بالفاتحة;
لأنه يفتتح بها القرآن العظيم، وتسمى المثاني; لأنها تقرأ في كل ركعة، ولها أسماء أخر.
أبتدئ قراءة القرآن باسم الله مستعينا به،(اللهِ) علم على الرب -تبارك وتعالى- المعبود
بحق دون سواه، وهو أخص أسماء الله تعالى، ولا يسمى به غيره سبحانه.(الرَّحْمَنِ) ذي
الرحمة العامة الذي وسعت رحمته جميع الخلق،(الرَّحِيمِ) بالمؤمنين، وهما اسمان من أسمائه
تعالى، يتضمنان إثبات صفة الرحمة لله تعالى كما يليق بجلاله.
{ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
(2) }
(الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ) الثناء على الله بصفاته التي كلُّها
أوصاف كمال، وبنعمه الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية، وفي ضمنه أَمْرٌ لعباده أن
يحمدوه، فهو المستحق له وحده، وهو سبحانه المنشئ للخلق، القائم بأمورهم، المربي لجميع
خلقه بنعمه، ولأوليائه بالإيمان والعمل الصالح.
{ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) }
(الرَّحْمَنِ) الذي وسعت رحمته جميع الخلق،(الرَّحِيمِ)، بالمؤمنين، وهما
اسمان من أسماء الله تعالى.
{ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) }
وهو سبحانه وحده مالك يوم القيامة، وهو
يوم الجزاء على الأعمال. وفي قراءة المسلم لهذه الآية في كل ركعة من صلواته تذكير له
باليوم الآخر، وحثٌّ له على الاستعداد بالعمل الصالح، والكف عن المعاصي والسيئات.
{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ
(5) }
إنا نخصك وحدك بالعبادة، ونستعين بك وحدك
في جميع أمورنا، فالأمر كله بيدك، لا يملك منه أحد مثقال ذرة. وفي هذه الآية دليل على
أن العبد لا يجوز له أن يصرف شيئًا من أنواع العبادة كالدعاء والاستغاثة والذبح والطواف
إلا لله وحده، وفيها شفاء القلوب من داء التعلق بغير الله، ومن أمراض الرياء والعجب،
والكبرياء.
{ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) }
دُلَّنا، وأرشدنا، ووفقنا إلى الطريق المستقيم،
وثبتنا عليه حتى نلقاك، وهو الإسلام، الذي هو الطريق الواضح الموصل إلى رضوان الله
وإلى جنته، الذي دلّ عليه خاتم رسله وأنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم، فلا سبيل إلى
سعادة العبد إلا بالاستقامة عليه.
{ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ
غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (7) }
طريق الذين أنعمت عليهم من النبيين والصدِّيقين
والشهداء والصالحين، فهم أهل الهداية والاستقامة، ولا تجعلنا ممن سلك طريق المغضوب
عليهم، الذين عرفوا الحق ولم يعملوا به، وهم اليهود، ومن كان على شاكلتهم، والضالين،
وهم الذين لم يهتدوا، فضلوا الطريق، وهم النصارى، ومن اتبع سنتهم. وفي هذا الدعاء شفاء
لقلب المسلم من مرض الجحود والجهل والضلال، ودلالة على أن أعظم نعمة على الإطلاق هي
نعمة الإسلام، فمن كان أعرف للحق وأتبع له، كان أولى بالصراط المستقيم، ولا ريب أن
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أولى الناس بذلك بعد الأنبياء عليهم السلام،
فدلت الآية على فضلهم، وعظيم منزلتهم، رضي الله عنهم. ويستحب للقارئ أن يقول في الصلاة
بعد قراءة الفاتحة:(آمين)، ومعناها: اللهم استجب، وليست آية من سورة الفاتحة باتفاق
العلماء; ولهذا أجمعوا على عدم كتابتها في المصاحف.AL-MUYASSAR.1-13
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(1)
الباء في بسم الله حرف التضمين؛ أي بالله
ظهرت الحادثات ، وبه وجدت المخلوقات ، فما من حادث مخلوق ، وحاصل منسوق ، من عين وأثر
وغبر ، وغيرٍ من حجر ومدر ، ونجم وشجر ، ورسم وطلل ، وحكم وعلل - إلا بالحق وجوده ،
والحق مَلِكُه ، ومن الحق بدؤه ، وإلى الحق عوده ، فبه وَجَدَ من وَحَّد ، وبه جحد
من الحد ، وبه عرف من اعترف ، وبه تخلَّف من اقترف .
وقال : { بسم الله } ولم يقل بالله على
وجه التبرك بذكر اسمه عند قوم ، وللفَرْقِ بين هذا وبين القَسَم عند الآخرين ، ولأن
الاسم هو المسمى عند العلماء ، ولاستصفاء القلوب من العلائق ولاستخلاص الأسرار عن العوائق
عند أهل العرفان ، ليكون ورود قوله { الله } على قلبٍ مُنقَّىً وسرٍ مُصَفَّىً . وقوم
عند ذكر هذه الآية يتذكرون من الباء ( بره ) بأوليائه ومن السين سره مع أصفيائه ومن
الميم منته على أهل ولايته ، فيعلمون أنهم ببره عرفوا سرّه ، وبمنته عليهم حفظوا أمره
، وبه سبحانه وتعالى عرفوا قدره . وقوم عند سماع بسم الله تذكروا بالباء براءة الله
سبحانه وتعالى من كل سوء ، وبالسين سلامته سبحانه عن كل عيب ، وبالميم مجده سبحانه
بعز وصفه ، وآخرون يذكرون عند الباء بهاءه ، وعند السين سناءه ، وعند الميم ملكه ،
فلما أعاد الله سبحانه وتعالى هذه الآية أعني بسم الله الرحمن الرحيم في كل سورة وثبت
أنها منها أردنا أن نذكر في كل سورة من إشارات هذه الآية كلمات غير مكررة ، وإشارات
غير معادة ، فلذلك نستقصي القول ها هنا وبه الثقة .
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3)
اسمان مشتقان من الرحمة ، والرحمة صفة أزلية
وهي إرادة النعمة وهما اسمان موضوعان للمبالغة ولا فضل بينهما عند أهل التحقيق .
وقيل الرحمن أشد مبالغة وأتم في الإفادة
، وغير الحق سبحانه لا يسمى بالرحمن على الإطلاق ، والرحيم ينعت به غيره ، وبرحمته
عرف العبد أنه الرحمن ، ولولا رحمته لما عرف أحد أنه الرحمن ، وإذا كانت الرحمة إرادة
النعمة ، أو نفس النعمة كما هي عند قوم فالنعم في أنفسها مختلفة ، ومراتبها متفاوتة
فنعمة هي نعمة الأشباح والظواهر ، ونعمة هي نعمة الأرواح والسرائر .
وعلى طريقة من فرَّق بينهما فالرحمن خاص
الاسم عام المعنى ، والرحيم عام الاسم خاص المعنى؛ فلأنه الرحمن رزق الجميع ما فيه
راحة ظواهرهم ، ولأنه الرحيم وفق المؤمنين لما به حياة سرائرهم ، فالرحمن بما روَّح
، والرحيم بما لوَّح؛ فالترويح بالمَبَارِّ ، والتلويح بالأنوار : والرحمن بكشف تَجَلِّيه
والرحيم بلطف تولِّيه ، والرحمن بما أولى من الإيمان والرحيم بما أسدى من العرفان ،
والرحمن بما أعطى من العرفان والرحيم بما تولَّى من الغفران ، بل الرحمن بما ينعم به
من الغفران والرحيم بما يَمُنُّ به من الرضوان ، بل الرحمن بما يكتم به والرحيم بما
ينعم به من الرؤية والعيان ، بل الرحمن بما يوفق ، والرحيم بما تحقق ، والتوفيق للمعاملات
، والتحقيق للمواصلات ، فالمعاملات للقاصدين ، والمواصلات للواجدين ، والرحمن بما يصنع
لهم والرحيم بما يدفع عنهم؛ فالصنع بجميل الرعاية والدفع بحسن العناية .AL-QUSYAIRY.1-4
{ الرحمن الرحيم } فالرحمن هو المنعم بما
لا يتصور صدور تلك النعمة من العباد ، والرحيم هو المنعم بما يتصور صدور تلك النعمة
من العباد ، والرحيم هو المنعم بما يتصور صدور تلك النعمة من العباد فلا يقال لغير
الله رحمن ، ويقال لغيره من العباد رحيم . فإن قلت قد سمي مسيلمة الكذاب برحمان اليمامة
وهو قول شاعرهم فيه : وأنت غيث الورى لا زلت رحماناً . قلت هو من باب تعنتهم في كفرهم
ومبالغتهم في مدح صاحبهم فلا يلتفت إلى قولهم هذا . فإن قلت : قد ذكر الرحمن الرحيم
في البسملة فما فائدة تكريره هنا مرة ثانية . قلت : ليعلم أن العناية بالرحمة أكثرها
من غيرها من الأمور وأن الحاجة إليها أكثر فنبه سبحانه وتعالى بتكرير ذكر الرحمة على
كثرتها وأنه هو المتفضل بها على خلفه
.
قوله تعالى : { إياك نعبد } رجع من الخبر
إلى الخطاب ، وفائدة ذلك من أول السورة إلى هنا ثناء والثناء في الغيبة أولى . ومن
قوله : إياك نعبد دعاء والخطاب في الدعاء أولى . وقيل فيه ضمير أي قولوا : إياك نعبد
والمعنى إياك نخص بالعبادة ونوحدك ونطيعك خاضعين لك . والعبادة أقصى غاية الخضوع والتذلل
، وسمي العبد عبداً لذلته وانقياده . وقيل : العبادة عبارة عن الفعل الذي يؤدي به الفرض
لتعظيم الله تعالى ، فقول العبد إياك نعبد معناه لا أعبد أحداً سواك ، والعبادة غاية
التذلل من العبد ونهاية التعظيم للرب سبحانه وتعالى لأنه العظيم المستحق للعبادة ولا
تستعمل العبادة إلا في الخضوع لله تعالى لأنه مولى أعظم النعم وهي إيجاد العبد من العدم
إلى الوجود ثم هداه إلى دينه فكان العبد حقيقاً بالخضوع والتذلل به { وإياك نستعين
} أي منك نطلب المعونة على عبادتك وعلى جميع أمورنا . فإن قلت : الاستعانة على العمل
إنما تكون قبل الشروع فيه فلم أخر الاستعانة على العبادة وما الحكمة فيه؟ . قلت ذكروا
فيه وجوهاً أحدها أن هذا يلزم من يجعل الاستطاعة قبل الفعل ونحن بحمد الله نجعل التوفيق
والاستطاعة مع الفعل فلا فرق بين التقديم والتأخير . الثاني أن الاستعانة نوع تعبد
فكأنه ذكر جملة العبادة أولاً ثم ذكر ما هو من تفاصيلها ثانياً . الثالث كأن العبد
يقول شرعت في العبادة فإني أستعين بك على إتمامها فلا يمنعني من إتمامها مانع . الرابع
إن العبد إذا قال إياك نعبد حصل له الفخر وذلك منزلة عظيمة فيحصل بسبب ذلك العجب فأردف
ذلك بقوله وإياك نستعين ليزول ذلك العجب الحاصل بسبب تلك العبادة
{ اهدنا الصراط المستقيم } أي أرشدنا ، وقيل ثبتنا
، وهو كما تقول للقائم قم حتى أعود إليك ومعناه دم على ما أنت عليه وهذا الدعاء من
المؤمنين مع كونهم على الهداية يعني سؤال التثبيت وطلب مزيد الهداية لأن الألطاف والهدايات
من الله لا تتناهى وهذا مذهب أهل السنّة والصراط الطريق ، قال جرير :
أمير المؤمنين على صراط ... إذا اعوج الموارد
مستقيم
أي على طريقة حسنة ، قال ابن عباس : هو
دين الإسلام ، وقيل هو القرآن وروى ذلك مرفوعاً . وقيل السنّة والجماعة وقيل معناه
اهدنا صراط المستحقين للجنة { صراط الذين أنعمت عليهم } هذا بدل من الأول ، أي الذين
مننت عليهم بالهداية والتوفيق ، وهم الأنبياء والمؤمنين الذين ذكرهم الله تعالى في
قوله : { فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين
} وقال ابن عباس : هم قوم موسى وعيسى الذين لم يغيّروا ولم يبدلوا وقيل هم أصحاب محمد
صلى الله عليه وسلم وأهل بيته { غير المغضوب عليهم } يعني غير صراط الذين غضبت عليهم
. والغضب في الأصل هو ثوران دم القلب لإرادة الانتقام ومنه قوله صلى الله عليه وسلم
: « اتقوا الغضب فإنه جمرة تتوقد في قلب ابن آدم ألم تروا إلى انتفاخ أوداجه وحمرة
عينيه » وإذا وصف الله به فالمراد منه الانتقام فقط دون غيره وهو انتقامه من العصاة
وغضب الله لا يلحق عصاة المؤمنين إنما يلحق الكافرين { ولا الضالين } أي وغير الضالين
عن الهدى وأصل الضلال الغيبوبة والهلاك يقال ضل الماء في اللبن إذا غاب فيه وهلك وقيل
غير المغضوب عليهم هم اليهود والضالين هم النصارى . عن عدي بن حاتم عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال : « اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضلال » أخرجه الترمذي ، وذلك لأن الله
تعالى حكم على اليهود بالغضب فقال : { من لعنه الله وغضب عليه } وحكم على النصارى بالضلال
فقال : { ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل } وقيل : غير المغضوب عليهم بالبدعة
ولا الضالين عن السنة والله أعلم .AL-KHAZIN.1-3
{ إياك نعبد وإياك نستعين }
شرح الكلمات :
{ إياك } : ضمير نصب يخاطب به الواحد .
{ نعبد } : نطيع ما غاية الذل لك والتعظيم
والحب
{ نستعين } : نطلب عونك لنا على طاعتك
معنى الآية :
علَّمنا الله تعالى كيف نتوسل إليه فى قبولدعائنا
فقال احمدا الله واثنوا عليه ومجدوه ، والتزموا له بأن تعبدوه وحده ولا تشركوا به وتستعينوه
ولا تستعينوا بغيره .
هداية الآية :
من هداية هذه الآية ما يلي :
1- آداب الدعاء حيث يقدم السائل بين يدى دعائه
حمد الله والثناء عليه وتمجيده . وزادت السنة الصلاة على النبىّ [ صلى الله عليه وسلم
] ، ثم يسأل حاجته فإنه يستجاب له .
2- أن لا يعبد غير ربه . وأن لا يستعينه إلاّ
هو سبحانه وتعالى .AISARUT TAFASIR.1/4
وأما قوله تعالى { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ
نَسْتَعِينُ } فاعلم أن العبادة عبارة عن الإتيان بالفعل المأمور به على سبيل التعظيم
للآمر فما لم يثبت بالدليل أن لهذا العالم إلهاً واحداً . قادراً على مقدورات لا نهاية
لها ، عالماً بمعلومات لا نهاية لها ، غنياً عن كل الحاجات ، فإنه أمر عباده ببعض الأشياء
، ونهاهم عن بعضها ، وأنه يجب على الخلائق طاعته والانقياد لتكاليفه فإنه لا يمكن القيام
بلوازم قوله تعالى { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } ثم إن بعد الفراغ من المقام المذكور لا بدّ
من تفصيل أقسام تلك التكاليف ، وبيان أنواع تلك الأوامر والنواهي ، وجميع ما صنف في
الدين من «كتب الفقه» يدخل فيه تكاليف الله ، ثم كما يدخل فيه تكاليف الله تعالى بحسب
هذه الشريعة فكذلك يدخل فيه تكاليف الله تعالى بحسب الشرائع التي قد كان أنزلها الله
تعالى على الأنبياء المتقدمين ، وأيضاً يدخل فيه الشرائع التي كلف الله بها ملائكته
في السموات منذ خلق الملائكة وأمرهم بالاشتغال بالعبادات والطاعات ، وأيضاً «فكتب الفقه»
مشتملة على شرح التكاليف المتوجهة في أعمال الجوارح ، أما أقسام التكاليف الموجودة
في أعمال القلوب فهي أكبر وأعظم وأجل ، وهي التي تشتمل عليها «كتب الأخلاق» ، و «كتب
السياسات» ، بحسب الملل المختلفة والأمم المتباينة ، وإذا اعتبر الإنسان مجموع هذه
المباحث وعلم أنها بأسرها داخلة تحت قوله تعالى : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } علم حينئذٍ
أن المسائل التي اشتملت هذه الآية عليها كالبحر المحيط الذي لا تصل العقول والأفكار
إلا إلى القليل منها .ARRAZY.1/6
فإن قيل: فما معنى النون في قوله: { إِيَّاكَ
نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } فإن كانت للجمع فالداعي واحد، وإن كانت للتعظيم
فلا تناسب هذا المقام؟ وقد أجيب: بأن المراد من ذلك الإخبار عن جنس العباد والمصلي
فرد منهم، ولا سيما إن كان في جماعة أو إمامهم، فأخبر عن نفسه وعن إخوانه (5) المؤمنين
بالعبادة التي خلقوا لأجلها (6) ، وتوسط لهم بخير، ومنهم من قال: يجوز أن تكون للتعظيم،
كأن العبد قيل له: إذا كنت في العبادة فأنت شريف وجاهك عريض فقل: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ
وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } ، وإذا كنت خارج العبادة فلا تقل: نحن ولا فعلنا، ولو كنت
في مائة ألف أو ألف ألف لافتقار الجميع إلى الله عز وجل. ومنهم من قال: ألطف في التواضع
من إياك أعبد، لما في الثاني من تعظيمه نفسه
__________
(1) في طـ، ب: "وقال".
(2) في طـ، أ، و: "مجازيهم".
(3) في طـ، ب، أ، و: "ومعاقبهم".
(4) تفسير الطبري (1/303).
(5) في جـ، ط، ب: "ناس".
(6) زيادة من ب، و.IBNU KATSIR.1/135
قوله تعالى : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ }
وقرأ الحسن ، وأبو المتوكل ، وأبو مجلز
«يُعْبَدُ» بضم الياء وفتح الباء . قال ابن الأنباري : المعنى : قل يا محمد : إِياك
يعبد ، والعرب ترجع من الغيبة إِلى الخطاب ، ومن الخطاب الى الغيبة ، كقوله تعالى
: { حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم } [ يونس : 22 ] وقوله : { وسقاهم ربهم شراباً
طهوراً . إن هذا كان لكم جزاءً } [ الدهر : 21 ، 22 ]
وقال لبيد :
باتت تشكى إليَّ النفس مجهشة ... وقد حمتلك
سبعاً بعد سبعينا
وفي المراد بهذه العبادة ثلاثة أقوال .
أحدهما : أنها بمعنى التوحيد . روي عن علي
، وابن عباس في آخرين .
والثاني : أنها بمعنى الطاعة ، كقوله :
{ لا تعبدوا الشيطان } [ يس : 60 ]
والثالث : أنها بمعنى الدعاء ، كقوله :
{ إن الذين يستكبرون عن عبادتي } [ غافر : 60 ]
قوله تعالى : { إِهدنا } فيه أربعة أقوال :
أحدها : ثبتنا . قاله عليّ ، وأبيّ . والثاني
: أرشدنا . والثالث : وفقنا . والرابع : ألهمنا . رويت هذه الثلاثة عن ابن عباس .
و { الصراط } الطريق
ويقال : إِن أصله بالسين ، لأنه من الاستراط
وهو : الابتلاع ، فالسراط كأنه يسترط المارّين عليه ، فمن قرأَ السين ، كمجاهد ، وابن
محيصن ، ويعقوب ، فعلى أصل الكلمة ، ومن قرأ بالصاد ، كأبي عمرو ، والجمهور ، فلأنها
أَخف على اللسان ، ومن قرأ بالزاي ، كرواية الأصمعي عن أبي عمرو ، واحتج بقول العرب
: سقر وزقر . وروي عن حمزة : إِشمام السين زاياً ، وروي عنه أنه تلفظ بالصراط بين الصاد
والزاي .
قال الفراء : اللغة الجيدة بالصاد ، وهي
لغة قريش الأولى ، وعامة العرب يجعلونها سيناً ، وبعض قيس يشمُّون الصاد ، فيقول :
الصراط بين الصاد والسين ، وكان حمزة يقرأ «الزراط» بالزاي ، وهي لغة لعذرة وكلب وبني
القين . يقولون في أصدق أزدق .
وفي المراد بالصراط هاهنا أربعة أقوال .
أحدها : أنه كتاب الله ، رواه علي عن النبي
صلى الله عليه وسلم .
والثاني : أنه دين الاسلام . قاله ابن مسعود
، وابن عباس ، والحسن ، و أبوالعالية في آخرين .
والثالث : أنه الطريق الهادي إلى دين الله
، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد .
والرابع : أنه طريق الجنة ، نقل عن ابن
عباس أيضاً . فان قيل : ما معنى سؤال المسلمين الهداية وهم مهتدون؟ ففيه ثلاثة أجوبة :
أحدها : أن المعنى : إِهدنا لزوم الصراط
، فحذف اللزوم . قاله ابن الأنباري .
والثاني : أن المعنى ثبتنا على الهدى ،
تقول العرب للقائم : قم حتى آتيك ، أي : اثبت على حالك .
والثالث : أن المعنى زدنا هدىً .ZADUL
MASIR.1/5
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ
يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ
الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ
وَلَا الضَّالِّينَ (7)
وبإسناده عن ابن عباس في قوله تعالى { الحمد
لِلَّهِ } يقول الشكر لله وهو أن صنع إلى خلقه فحمدوه ويقال الشكر لله بنعمه السوابغ
على عباده الذين هداهم للإيمان ويقال الشكر والوحدانية والإلهية لله الذي لا ولد له
ولا شريك له ولا معين له ولا وزير له { رَبِّ العالمين } رب كل ذي روح دب على وجه الأرض
ومن أهل السماء ويقال سيد الجن والإنس ويقال خالق الخلق ورازقهم ومحولهم من حال إلى
حال { الرحمن } الرقيق من الرقة وهي الرحمة { الرحيم } الرفيق { مالك يَوْمِ الدين
} قاضي يوم الدين وهو يوم الحساب والقضاء فيه بين الخلائق أي يوم يدان فيه الناس بأعمالهم
لا قاضي غيره { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } لك نوحد ولك نطيع { وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } نستعين
بك على عبادتك ومنك نستوثق على طاعتك { اهدنا الصراط المستقيم } أرشدنا للدين القائم
الذي ترضاه وهو الإسلام ، ويقال ثبتنا عليه ويقال هو كتاب الله يقول اهدنا إلى حلاله
وحرامه وبيان ما فيه { صِرَاطَ الذين أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } دين الذين مننت عليهم
بالدين وهم أصحاب موسى من قبل أن تغير عليهم نعم الله بأن ظلل عليهم الغمام وأنزل عليهم
المن والسلوى في التيه ويقال هم النبيون { غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِم } غير دين اليهود
الذين غضبت عليهم وخذلتهم ولم تحفظ قلوبهم حتى تهودوا { وَلاَ الضآلين } ولا دين النصارى
الذين ضلوا عن الإسلام { آمِينْ } كذلك تكون أمنته ويقال فليكن كذلك ، ويقال ربنا افعل
بنا كما سألناك والله أعلم .TANWIRUL MIQBAS.1/1.BERSAMBUNG…
Tidak ada komentar:
Posting Komentar