MENDAPAT SYAFA’AT
ولا تصح الشفاعة عند
الله تعالى إلا بشرطين :
أحدهما : إذن الله
تعالى للشافع أن يشفع ، وقد دل على هذا الشرط قوله تعالى : { مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ
عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ } (البقَرة : 255) . وقوله تعالى : { وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ
عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } (سبأ : 23) .
الثاني : رضا الله
عن المشفوع له أن يشفع فيه ، وقد دل على هذا الشرط قوله تعالى : { وَلَا يَشْفَعُونَ
إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى } (الأنبياء : 28) . وقد دلت النصوص أن الله لا يرضى أن يشفع
إلا في أهل التوحيد لما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم : « لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته
وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا
يشرك بالله شيئًا » (1) . وقال تعالى في الكفار : { فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ
} (المدثر : 48) .
وقد دلت الأدلة من
الكتاب والسنة على إثبات الشفاعة عند الله يوم القيامة . أما الكتاب فقد تقدم ذكر بعضها
، وأما من السنة فالأحاديث في إثبات الشفاعة كثيرة منها حديث أبي سعيد الخدري رضي الله
عنه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم قال : ( . . « فيقول الله تبارك
وتعالى شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض
قبضة من النار فيخرج منها قومًا لم يعملوا خيرًا قط » (2) .
_________
(1) صحيح مسلم برقم (199) .
(2) رواه الإمام أحمد في المسند
3 / 94 ، وعبد الرزاق في المصنف 11 / 410 برقم (20857) .
والأحاديث في إثبات
الشفاعة كثيرة جدًّا وقد صرح الأئمة المحققون بتواترها واشتهارها في كتب الصحاح والمسانيد
. ففي الصحيحين : « يُخرج من النار من كان في قلبه حبة من خردل من إيمان » (1) .
أقسام الشفاعة :
والشفاعة تنقسم من
حيث القبول والرد إلى قسمين : مردودة وهي ما فقدت أحد شروط الشفاعة السابقة ، ومقبولة
وهي ما تحققت فيها شروط الشفاعة . وقد ثبت لنبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم
منها ثمانية أنواع ، وهي :
1 - الشفاعة العظمى وهي شفاعته
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم في أهل الموقف أن يقضي الله بينهم وهي المقام المحمود
وهذه الشفاعة مما اختص بها نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم على غيره من الرسل
صلوات الله عليهم أجمعين .
2 - شفاعته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلِّم في قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم فيشفع فيهم أن يدخلوا الجنة .
3 - شفاعته في أقوام استحقوا النار
أن لا يدخلوها .
4 - شفاعته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلِّم رفع درجات أهل الجنة في الجنة .
5 - شفاعته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلِّم في أقوام أن يدخلوا الجنة بغير حساب .
_________
(1) صحيح البخاري برقم (7439)
، في حديث طويل ، وصحيح مسلم برقم (184) .
6 - شفاعته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلِّم في تخفيف العذاب عمن كان يستحقه كشفاعته في عمه أبي طالب .
7 - شفاعته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلِّم في أهل الجنة أن يؤذن لهم بدخول الجنة .
8 - شفاعته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلِّم في أهل الكبائر من أمته ممن دخل النار أن يخرج منها .
وقد دلت النصوص الصحيحة
على هذه الأنواع كلها وهي مبسوطة في مواضعها من كتب السنة والاعتقاد . وهذه الأنواع
منها ما هو خاص بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم كالشفاعة العظمى وشفاعته في
عمه أبي طالب وشفاعته في أهل الجنة أن يدخلوها ومنها ما يشاركه فيها غيره من الأنبياء
والصالحين كالشفاعة في أهل الكبائر وغيرها من الأنواع الأخرى على اختلاف بين أهل العلم
في اختصاصه ببعضها من عدمه ، والله تعالى أعلم .
المطلب السابع : الصراط
، صفته وأدلته :
الصراط في اللغة
: الطريق الواضح .
وفي الشرع : جسر ممدود
على متن جهنم يرده الأولون والآخرون وهو طريق أهل المحشر لدخول الجنة . وقد دلت الأدلة
من الكتاب والسنة على إثبات الصراط .
قال تعالى : { وَإِنْ
مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا }{ ثُمَّ نُنَجِّي
الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا } (مريم : 71 ، 72) ذهب
أكثر المفسرين أن المقصود بورود النار هنا : المرور على الصراط وهو منقول عن ابن عباس
وابن مسعود وكعب الأحبار وغيرهم .
وفي الصحيحين من حديث
أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وهو حديث طويل في الرؤية والشفاعة وفيه عن رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم أنه قال : ( . . « ثم يؤتى بالجسر فيجعل بين ظهري
جهنم قلنا يا رسول الله وما الجسر ؟ قال : مدحضة مزلة ، عليه خطاطيف وكلاليب وحسكة
مفلطحة لها شوكة عقيفاء تكون بنجد يقال لها السعدان ، المؤمن عليها كالطرف وكالبرق
، وكالريح وكأجاويد الخيل والركاب فناج مسلم وناج مخدوش ومكدوس في نار جهنم يمر آخرهم
يسحب سحبا » (1) .
_________
(1) صحيح البخاري برقم (7439)
، وصحيح مسلم برقم (183) ، واللفظ للبخاري .
وقد جاء وصف الصراط
في نصوص كثيرة وملخص ما جاء فيها أنه أدق من الشعر وأحد من السيف دحض مزلة لا تثبت
عليه قدم إلا من ثبته الله وأنه ينصب في ظلمة فيعطى الناس أنوارا على قدر إيمانهم ويمرون
فوقه على قدر إيمانهم على ما جاء في الحديث السابق .
المطلب الثامن : الجنة
والنار ، صفتهما وكيفية الإيمان
بهما وأدلة ذلك :
مما يجب اعتقاده والإيمان
به الجنة والنار .
والجنة هي دار الثواب
لمن أطاع الله وموضعها في السماء السابعة عند سدرة المنتهى . قال تعالى : { وَلَقَدْ
رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى }{ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى }{ عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى
} (النجم : 13-15) ، والجنة مائة درجة بين كل درجة والأخرى كما بين السماء والأرض كما
جاء في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم
أنه قال : « إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ، ما بين الدرجتين
كما بين السماء والأرض » (1) . وأعلى الجنة الفردوس الأعلى وفوقه العرش ومنه تتفجر
أنهار الجنة كما جاء في حديث أبي هريرة السابق عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
« فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه
تفجر أنهار الجنة » . وللجنة ثمانية أبواب كما جاء في حديث سهل بن سعد رضي الله عنه
في صحيح البخاري عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم أنه قال : « في الجنة ثمانية
أبواب فيها باب يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون » (2) ، وقد أعد الله لأهل الجنة
فيها من النعيم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .
_________
(1) صحيح البخاري برقم (2790) .
(2) صحيح البخاري برقم (3257) .
وأما النار فهي دار
العقاب الأبدي للكافرين والمشركين والمنافقين النفاق الاعتقادي ، ولمن شاء الله من
عصاة الموحدين بقدر ذنوبهم ثم مآلهم إلى الجنة . كما قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لَا
يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } (النساء
: 48) وموضعها في الأرض السابعة كذا نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما . وللنار دركات
بعضها أسفل من بعض ، قال عبد الرحمن بن أسلم : ( درجات الجنة تذهب علوا ودرجات النار
تذهب سفولا ، وأسفل الدركات هي دار المنافقين كما قال تعالى : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ
فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ } . . . الآية (النساء : 145) ، وللنار سبعة
أبواب ، قال تعالى : { لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ
} (الحجرِ : 44) ، ونار الدنيا جزء من سبعين جزءا من نار جهنم على ما جاء في حديث أبي
هريرة الذيَ أخرجه الشيخان عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم قال : « ناركم
جزء من سبعين جزءا من نار جهنم » (1) .
والإيمان بالجنة والنار
يتحقق بثلاثة أمور :
_________
(1) صحيح البخاري برقم (3265)
، وصحيح مسلم برقم (871) .
الأول : الاعتقاد
الجازم بأنهما حق وأن الجنة دار المتقين والنار دار الكافرين والمنافقين . قال تعالى
: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ
جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ
كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا }{ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ
جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا } (النساء
: 56 ، 57) .
الثاني : اعتقاد وجودهما
الآن . قال تعالى في الجنة . { أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } (آل عمران : 133) ، وقال
تعالى في النار : { أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } (البقرة : 24) ، وجاء في الصحيحين من
حديث عمران بن حصين عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم أنه قال : « اطلعت في
الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء ، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء » (1) .
_________
(1) صحيح البخاري برقم (3241)
، وصحيح مسلم برقم (2738) مختصرا بمعناه ، واللفظ للبخاري .
الثالث : اعتقاد دوامهما
وبقائهما وأنهما لا تفنيان ولا يفنى من فيهما . قال تعالى في الجنة : { خَالِدِينَ
فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } (النساء : 13) ، وقال تعالى عن النار : { وَمَنْ
يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا
} (الجن : 23) . والمقصود من المعصية هنا الكفر ، لتأكيد الخلود في النار بالتأبيد
، قال القرطبي قوله (أبدا) دليل على أن العصيان هنا هو الشرك (1) . وروى الشيخان من
حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم
قال : « يدخل الله أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، ثم يقوم مؤذن بينهم فيقول
: يا أهل الجنة لا موت ويا أهل النار لا موت كل خالد فيما هو فيه » (2) .
ثمرات الإيمان باليوم
الآخر :
وللإيمان باليوم الآخر
ثمرات عظيمة في حياة المؤمن من أهمها :
1- الحرص على طاعة الله رغبة
في ثواب ذلك اليوم والبعد عن معصيته خوفا من عقاب ذلك اليوم .
2- تسلية المؤمن عما يفوته من
نعيم الدنيا ومتاعها بما يرجوه من نعيم الآخرة وثوابها .
3- استشعار كمال عدل الله تعالى
حيث يجازي كلا بعمله مع رحمته بعباده .
_________
(1) القرطبي 19 / 27 ، وفتح القدير
5 / 307 .
(2) صحيح البخاري برقم (6544)
، وصحيح مسلم برقم (2850) ، واللفظ لمسلم .
فمن الكتاب قول الله
تعالى : { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } (القمر : 49) ، وقوله تعالى
{ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا } (الأحزاب : 38) ، وقوله تعالى : { وَخَلَقَ
كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا } (الفرقان : 2) .
وأما السنة فقد دلت
كذلك على إثبات القدر في أحاديث كثيرة منها حديث جبريل وسؤاله للنبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلِّم عن أركان الإيمان فذكر منها : « الإيمان بالقدر خيره وشره » وقدم
تقدم الحديث بنصه في مبحث الملائكة . وروى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو بن العاص
رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم يقول : « كتب
الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وقال : وكان عرشه
على الماء » (1) .
_________
(1) صحيح مسلم برقم (2653) .
والإيمان بالقدر محل
إجماع الأمة من الصحابة ومن بعدهم . أخرج مسلم في صحيحه عن طاوس أنه قال : (أدركت ناسا
من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم يقولون كل شيء بقدر) . قال :
وسمعت عبد الله بن عمر يقول : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم : «
كل شيء بقدر حتى العجز والكيس أو الكيس والعجز » (1) ، والكيس : ضد العجز وهو النشاط
والحذق بالأمور . قال الإمام النووي : (تظاهرت الأدلة القطعية من الكتاب والسنة وإجماع
الصحابة وأهل الحل والعقد من السلف والخلف على إثبات قدر الله سبحانه وتعالى) .
_________
(1) صحيح مسلم برقم (2655) .BERSAMBUNG...(2014)
Tidak ada komentar:
Posting Komentar