TAKDIR
المبحث الثاني
مراتب القدر
للقدر أربع مراتب
دلت عليها النصوص وقررها أهل العلم . وهي :
المرتبة الأولى :
علم الله بكل شيء من الموجودات والمعدومات والممكنات والمستحيلات وإحاطته بذلك علمًا
فعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون . وقد دل على ذلك قوله تعالى : {
لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ
بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا } (الطلاق : 12) .
وفي الصحيحين من حديث
ابن عباس رضي الله عنهما قال : « سئل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم عن أولاد
المشركين فقال : الله أعلم بما كانوا عاملين » (1) .
المرتبة الثانية
: كتابة الله تعالى لكل شيء مما هو كائن إلى قيام الساعة . قال تعالى : { أَلَمْ تَعْلَمْ
أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ
ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } ( الحج : 70) . وقال تعالى : { وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ
فِي إِمَامٍ مُبِينٍ } ( يس : 12) . ومن السنة حديث عبد الله بن عمرو بن العاص المتقدم
في كتابة الله مقادير الخلائق قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة .
_________
(1) صحيح البخاري برقم (1384)
، وصحيح مسلم برقم (2659) .
المرتبة الثالثة
: المشيئة فإن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن . قال تعالى : { إِنَّمَا أَمْرُهُ
إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } (يس : 82) . وقال تعالى
: { وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } (التكوير
: 29) . وأخرج الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلِّم قال : « لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت! اللهم ارحمني إن شئت! ليعزم
في الدعاء فإن الله صانع ما شاء لا مكره له » (1) .
المرتبة الرابعة
: خلق الله تعالى للأشياء وإيجادها وقدرته الكاملة على ذلك فهو سبحانه خالق لكل عامل
وعمله وكل متحرك وحركته وكل ساكن وسكونه . قال تعالى : { اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ
وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } (الزمر : 62) . وقال تعالى : { وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ
وَمَا تَعْمَلُونَ } (الصافات : 96) . وروى البخاري في صحيحه من حديث عمران بن حصين
عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم : ( . . « كان الله ولم يكن شيء غيره وكان
عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء وخلق السماوات والأرض » (2) .
_________
(1) صحيح البخاري برقم (6339)
، وصحيح مسلم برقم (2679) ، واللفظ لمسلم .
(2) صحيح البخاري برقم (3191) .
فيجب الإيمان بهذه
المراتب الأربع لتحقيق الإيمان بالقدر ومن أنكر شيئًا منها لم يحقق الإيمان بالقدر
. والله تعالى أعلم .
ثمرات الإيمان بالقدر :
لتحقيق الإيمان بالقدر
أثره البالغ وثمراته النافعة في حياة المؤمن فمن ذلك :
1 - الاعتماد على الله تعالى عند
فعل الأسباب لأنه مقدر الأسباب والمسببات .
2 - راحة النفس وطمأنينة القلب
إذا أدرك العبد أن كل شيء بقضاء الله وقدره .
3- طرد الإعجاب بالنفس عند حصول
المراد لأن حصول ذلك نعمة من الله بما قدره من أسباب ذلك الخير والنجاح فيشكر الله
ويدع الإعجاب .
4- طرد القلق والضجر عند فوات
المراد أو حصول المكروه لأن ذلك بقضاء الله وقدره فيصبر على ذلك ويحتسب .
أركان الإسلام :
أركان الإسلام خمسة
بينها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم كما في حديث عبد الله بن عمر رضي
الله عنهما قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم : « بني الإسلام
على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة
وصوم رمضان وحج بيت الله » (1) . ويدل على هذا حديث جبريل المتقدم وفيه أنه قال :
« يا محمد ! أخبرني عن الإسلام ، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم
: (الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة
، وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا . قال : صدقت » . . . إلخ) (2) .
معنى الشهادتين :
*معنى شهادة أن لا إله إلا
الله : أي لا معبود بحق إلا الله .
*ومعنى شهادة أن محمدًا رسول
الله : طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر به واجتناب ما نهى عنه وزجر وأن لا يعبد الله
إلا بما شرع .
_________
(1) صحيح البخاري ، حديث برقم
(8) ، وصحيح مسلم حديث برقم (16) .
(2) تقدم متفق عليه : صحيح البخاري
حديث برقم (8) ، وصحيح مسلم حديث برقم (8) .
المبحث الثاني : الإيمان
وأركانه
وبيان حكم مرتكب الكبيرة
تعريفه :
الإيمان لغة : التصديق
والإقرار .
وشرعًا : اعتقاد بالقلب
وإقرار باللسان وعمل بالجوارح .
أركانه وأدلته :
أركان الإيمان ستة
يدل عليها قول الله تعالى : { لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ
وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ
وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ } (البقرة : 177) .
ومن السنة ما جاء
في حديث جبريل عندما سأل النبي صلى الله عليه وسلم وقال : « أخبرني عن الإيمان ، قال
: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره . قال
: صدقت » . . . إلخ) (1) .
زيادة الإيمان ونقصانه :
دل الكتاب والسنة
على أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية .
_________
(1) متفق عليه : صحيح البخاري
حديث برقم (50) ، وصحيح مسلم حديث برقم (8) .
فالدليل من الكتاب
قول الله تعالى : { وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ
} (محمد : 17) . وقال تعالى : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ
وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا
وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } (الأنفال : 2) .
وقال تعالى : { هُوَ
الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا
مَعَ إِيمَانِهِمْ } (الفتح : 4) .
ومن السنة قوله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم : « يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان »
(1) . وكذلك قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم : « الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها
لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان » (2) .
حكم مرتكب الكبيرة :
كبائر الذنوب نوعان
: مكفّر وغير مكفر . فأما المكفر فهو الشرك بالله لأنه أعظم ذنبا عُصي به الله والنفاق
الاعتقادي وسب الله ورسوله ونحو ذلك .
_________
(1) صحيح البخاري حديث برقم
(7510) ، صحيح مسلم حديث برقم (193) .
(2) صحيح مسلم كتاب الإيمان حديث
رقم (57) .
والنوع الثاني كبائر
غير مكفّرة ولا يخرج مرتكبها من الملة إلا إذا استحلها . وهي سائر الذنوب التي دون
الكفر كالربا والقتل والزنا ونحو ذلك .
وقد دل الكتاب والسنة
على أن مرتكب الكبيرة غير المكفّرة مؤمن ناقص الإيمان ، ويسمى فاسقًا وعاصيًا .
وحكمه في الآخرة أنه
تحت المشيئة فإن شاء الله غفر له برحمته وإن شاء عذبه بعدله وهو مع هذا لا يخلد في
النار إذا عُذب بل مآله إلى الجنة بما معه من التوحيد والإيمان . قال تعالى : { إِنَّ
اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ
وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا } (النساء : 116) .
وفي الصحيحين من حديث
أنس رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم أنه قال : « يخرج من النار
من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير ، ويخرج من النار من قال لا إله
إلا الله وفي قلبه وزن برة من خير ، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه
وزن ذرة من خير » (1) .
_________
(1) صحيح البخاري برقم (44) ،
وصحيح مسلم برقم (192) .
فمن القرآن قوله تعالى
: { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا
فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ
إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا
بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } (الحجرات : 9 ،
10) . ووجه الدلالة من الآيتين هو أن الله أثبت الإيمان لمرتكبي معصية الاقتتال من
المؤمنين والباغي من بعض الطوائف على بعض وهي من الكبائر وجعلهم إخوة وأمر تعالى المؤمنين
بالإصلاح بين إخوتهم في الإيمان .
ومن السنة ما رواه
مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم
قال : « يدخل أهل الجنة الجنة ، يدخل من يشاء برحمته ، ويدخل أهل النار النار ثم يقول
: انظروا من وجدتم في قلبه مثقال حبّة من خردل من إيمان فأخرجوه » . . ) (1) .
_________
(1) صحيح مسلم كتاب الإيمان باب
الشفاعة وإخراج الموحدين من النار حديث رقم 184 .
ووجه الدلالة من الحديث
هو عدم تخليد مرتكبي الكبائر في النار حيث يخرج منها من كان في قلبه أدنى شيء من الإيمان
كما يدل الحديث على تفاوت أهل الإيمان على حسب أعمالهم وأنه يزيد وينقص بحسب ما يترك
المؤمن من واجبات أو يرتكب من محظورات .
المبحث الثالث : الإحسان
تعريفه :
الإحسان معناه مراقبة
الله تعالى في السر والعلن مراقبة من يحبه ويخشاه ويرجو ثوابه ويخاف عقابه بالمحافظة
على الفرائض والنوافل واجتناب المحرمات والمكروهات . والمحسنون هم السابقون بالخيرات
المتنافسون في فضائل الأعمال .
أدلته :
من الكتاب قوله تعالى
: { إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ } (النحل
: 128) .
ومن السنة ما جاء
في حديث جبريل عليه السلام أنه سأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم فقال :
أخبرني عن الإحسان . فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم : « أن تعبد الله كأنك
تراه فإن تكن تراه فإنه يراك » (1) .
_________
(1)
تقدم تخريجه ص113 .
JAKARTA.15-2-2012 (USHULUL IMAN FI DHAIIL KITAB WA SUNNAH)
BY ABI AZMI
Tidak ada komentar:
Posting Komentar