المعاد
كل إنسان يعلم علم اليقين أنه ميت لا محالة
، ولكن ما مصيره بعد الموت ؟ وهل هو سعيد أم شقي ؟
إن كثيرا من الشعوب والأمم يعتقدون أنهم
سيبعثون من بعد الموت ، ويحاسبون على أفعالهم إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر (1) ، وهذا
الأمر - وهو البعث والحساب - تقربه العقول السليمة ، وتؤيده الشرائع الإلهية ، ومبناه
على ثلاثة أصول : ا - تقرير كمال علم الرب سبحانه .
2 - تقرير كمال قدرته سبحانه .
3 - تقرير كمال حكمته سبحانه (2) .
وقد تظافرت الأدلة النقلية والعقلية على
إثباته ، ومن هذه الأدلة ما يلي : 1 - الاستدلال بخلق السماوات والأرض على إحياء الموتى
، قال تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ
وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } (3) وقال تعالى : { أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ
} (4) .
_________
(1) انظر : الجواب الصحيح ، جـ 4 ، ص : 96 .
(2) انظر : الفوائد لابن القيم ، ص : 6 - 7 .
(3) سورة الأحقاف ، الآية : 33 .
(4) سورة يس ، الآية : 81 .
2 - الاستدلال بقدرته على خلق الخلق بغير مثال سابق على قدرته على إعادة الخلق
كرة أخرى ، فالقادر على الإيجاد يكون أقدر على الإعادة من باب أولى ، قال تعالى :
{ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ
الْمَثَلُ الْأَعْلَى } (1) ، وقال جل ثناؤه : { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ
قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ }{ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا
أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ } (2) .
3 - خلق الإنسان في أحسن تقويم بهذه الصورة المتكاملة بأعضائها وقواها وصفاتها
، وما فيها من اللحم والعظم والعروق والأعصاب والمنافذ والآلات والعلوم والإرادات والصناعات
فيه أعظم دليل على قدرته سبحانه على إحياء الموتى .
4 - الاستدلال بإحياء الموتى في الحياة الدنيا على قدرته سبحانه على إحياء
الموتى في الدار الآخرة ، وقد ورد الخبر بهذا في الكتب الإلهية التي أنزلها الله على
رسله ، ومن هذه الأخبار إحياء الموتى بإذن الله على يد إبراهيم والمسيح عليهم السلام
، وغير ذلك كثير .
_________
(1) سورة الروم ، الآية : 27 .
(2) سورة يس ، الآيتان : 78 ، 79 .
5 - الاستدلال بقدرته على أمور تشبه الحشر والنشر بقدرته على إحياء الموتى
ومن ذلك :
أ - خلق الله الإنسان من نطفة من مني كانت
متفرقة في أنحاء البدن - ولذا تشترك جميع الأعضاء في الالتذاذ بالوقاع - فيجمع الله
هذه النطفة من أنحاء البدن ، ثم تخرج إلى قرار الرحم فيخلق الله منها الإنسان ، فإذا
كانت هذه الأجزاء متفرقة فجمعها وكون منها ذلك الشخص ، فإذا افترقت بالموت مرة أخرى
فكيف يمتنع عليه جمعها مرة أخرى ؟ قال عز من قائل : { أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ
}{ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ } (1) .
_________
(1) سورة الواقعة ، الآية : 58 ، 59 .
ب - أن بذور النبات على اختلاف أشكالها
إذا وقعت في الأرض الندية واستولى عليها الماء والتراب ، فالنظر العقلي يقتضي أن يتعفن
ويفسد ، لأن أحدهما يكفي في حصول العفونة ، ففيهما جميعا أولى ، لكنه لا يفسد بل يبقى
محفوظا ، ثم إذا ازدادت الرطوبة تنفلق الحبة فتخرج منها النبتة ، أفلا يدل ذلك على
قدرة كاملة وحكمة شاملة ؟ فهذا الإله الحكيم القادر كيف يعجز عن جمع الأجزاء وتركيب
الأعضاء ؟ قال تعالى : { أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ }{ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ
أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ } (1) ، ونظير ذلك قوله تعالى : { وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً
فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ
زَوْجٍ بَهِيجٍ } (2) .
_________
(1) سورة الواقعة ، الآيتان : 63 ، 64 .
(2) سورة الحج ، الآية : 5.
6 - أن الخالق القادر العليم الحكيم يتنزه أن يخلق الخلق عبثا ، ويتركهم سدى
، قال جل ثناؤه : { وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا
ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ }
(1) ، بل خلق خلقه لحكمة عظيمة وغاية جليلة ، قال تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ
وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } (2) . ، فلا يليق بهذا الإله الحكيم أن يستوي لديه
من يطيعه ومن يعصيه ، قال تعالى : { أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ } (3) ،
لذا كان من كمال حكمته وعظيم قهره أن يبعث الخلق يوم القيامة ليجزي كل إنسان بعمله
، فيثيب المحسن ويعذب المسيء ، قال تعالى : { إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ
اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ
وَعَذَابٌ أَلِيمٌ } (4) .
_________
(1) سورة ص ، الآية : 27 .
(2) سورة الذاريات ، الآية : 56.
(3) سورة ص ، الآية : 28 .
(4) سورة يونس ، الآية : 4 ، وانظر لما تقدم الفوائد لابن القيم ، ص : 6 ،
9 ، والتفسير الكبير للرازي ، جـ 2 ، ص : 113 - 116 .
BY ABI FAID.20/4/2014
Tidak ada komentar:
Posting Komentar